فصل : نسخ الوجوب
إذا نسخ الوجوب فهل يبقى الجواز بالمعنى الأعم؟
يقع الكلام تارة : في دلالة كل من دليل الحكم المنسوخ أو الناسخ على البقاء مستقلا ، وأخرى : في دلالتهما عليه منضما. ثم على تقدير عدم دلالة شيء منهما على ذلك هل يمكن إثباته بالاستصحاب أم لا؟
امّا دلالة دليل الحكم المنسوخ على بقاء الجواز بعد نسخ الوجوب فهي واضحة الفساد ، فإنه غير متكفل لبيان حكم ما بعد ارتفاع مدلوله ، وكذلك دلالة الدليل الناسخ ، فانّ غاية مدلوله رفع الحكم السابق ، وليس ناظرا إلى إثبات حكم آخر أصلا.
وامّا هما معا بقرينية كل منهما على الآخر فغاية تقريب دلالتهما على ذلك ان يقال : انّ دليل الواجب بالمطابقة يدل على الالتزام وبالالتزام الأعم من التضمن يدل على رجحان متعلقه ، ويدل على الترخيص في فعله بمعنى عدم ثبوت استحقاق العقاب عليه ، ودليل الناسخ لا ينفي الدليل المنسوخ بجميع مدلولاته ، وإلّا لزم ثبوت الحرمة عند ارتفاع الوجوب ، بل يحتمل ان ينفي خصوص الإلزام ، كما يحتمل نفيه لأصل الرجحان أو للجواز أيضا فيؤخذ بالمقدار المتيقن وهو نفي اللزوم فيبقى الرجحان على حاله.
وفيه : أولا : انّ الأحكام ليست من الأمور المتأصلة ، لا من الجواهر ولا من الاعراض ، بل هي اعتبارات ، فالوجوب اعتبار اللابدّية وثبوت الفعل في ذمة المكلف ، والحرمة اعتبار حرمان المكلف ، والإباحة اعتبار الإطلاق والإرسال