للمكلف وهكذا ، وتكون اعتبارات متباينة ليس بعضها من مراتب بعض آخر ، كما يتصور ذلك في الموجودات المتأصلة ، مثلا البياض الشديد مرتبة من وجود البياض كما انه إذا ضعف أيضا يكون مرتبة ضعيفة لذاك البياض ، والجسم الضعيف يكون مرتبة من مراتب الجسم فإذا سمن أيضا يكون ذاك الوجود بعينه غايته مرتبة قوية منه ، وعلى هذا فإذا اعتبار الوجوب لشيء ونسخ لا يعقل القول ببقائه في مرتبة ضعيفة ليكون مستحبا ، لأنّ الاستحباب ليس من مراتب الوجوب بل هو اعتبار مباين له.
وثانيا : قد ذكرنا مرارا انّ الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية حدوثا وبقاء ، فإذا فرضنا انتفاء الدلالة المطابقية وسقوطها تسقط الدلالة الالتزامية أيضا ، ولذا لو قال المولى «أكرم كل عالم» وورد في دليل «لا يجب إكرام زيد العالم» لم يحتمل أحد استحباب إكرامه بتخيل انّ العام بالالتزام أثبت رجحان إكرامه والمخصص انما رفع لزومه ، فاصل رجحانه باق على حاله ، والمقام من هذا القبيل ، فانّ النسخ تخصيص من حيث الأزمان فلا يمكن القول ببقاء الرجحان بعد زمان نسخ الوجوب.
فتحصل انه لا يمكن استفادة بقاء الجواز أو الاستحباب في المقام من الدليلين لا مستقلا ولا منضما.
وامّا استصحاب الجواز فهو غير جار ، لأنه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلي ، فانّ الرجحان أو الجواز المتيقن في ضمن الوجوب قد ارتفع قطعا ، وشك في حدوثه في ضمن الاستحباب مقارنا لارتفاع الوجوب ، وبينا في محله عدم جريانه ، فلا بدّ من الرجوع لحكم ما بعد النسخ إلى الأدلة الاجتهادية ان كان وإلّا فإلى الأصل العملي من البراءة والاشتغال ، ولا ينبغي التعرض لهذا البحث أزيد مما ذكر.