فصل : في الواجب الكفائي
قد ذكرنا غير مرّة انّ غرض المولى ربما يكون متعلقا بالطبيعي ، سواء كان كليا متأصلا أو كليا منتزعا بنحو صرف الوجود ، فتكون جميع الخصوصيات الفردية خارجة عن حيز طلبه وهكذا امره ، وربما يكون متعلق غرضه وامره الطبيعي بقسميه بنحو مطلق الوجود أي السريان ، مثلا يقول : «أكرم كل عالم» أو «أضف كل جيراني» وهكذا. وهذان القسمان كما يمكن تصويرهما بالإضافة إلى متعلق التكليف كذلك يتصوران بالقياس إلى المكلفين ، فقد يكون الغرض قائما بصدور الفعل من طبيعي المكلفين بنحو صرف وجودهم ، فتكون خصوصيات المكلفين كلها ملغاة في نظره ، ولا يكون لشيء منها دخل في امره أصلا ، وقد يكون غرضه صدوره من جميع المكلفين أي كل واحد منهم.
وبعبارة أخرى : ربما يكون الغرض حصول الفعل خارجا من طبيعي المكلف ، ويعبر عنه بالمعنى الاسم المصدري ، فليس للمولى غرض إلى خصوصية الفاعل من كونه زيدا أو عمرو أصلا ، وربما يكون الغرض صدور الفعل من كل مكلف أو من اشخاص معينين منهم.
والواجب على الأول هو الواجب الكفائي ، وعلى النحو الثاني يسمى بالعيني ، وحيث انّ المكلف في الأول هو طبيعي الإنسان البالغ العاقل الواجد لشرائط التكليف فإذا عصى جميع الافراد ولم يأت بالواجب أحد منهم يكون كلهم معاقبين ، لأنّ جميعهم كانوا مصداقا للطبيعي وكان الطبيعي منطبقا على كل واحد منهم ، كما انهم لو امتثلوا جميعا دفعة واحدة كلهم يثابون ، وإذا أتى بالواجب بعضهم دون بعض يثاب الممتثل لا بما انه شخص ، بل بما انه مصداق لطبيعي المكلف الممتثل