فصل : هل الأمر بالأمر أمر أم لا؟
يتصور ذلك على أنحاء ثلاثة : فإنّ غرض الآمر تارة : مترتب على مجرد أمر الواسطة ويكون لأمره موضوعية في نظر المولى ، وأخرى : يكون أمره طريقيا محضا وواسطة للإيصال ، وثالثة : يكون وسطا بين القسمين بان يكون المطلوب حصول المأمور به في الخارج لكن لا تعينه ، بل بما أمر به الواسطة ، كما يتفق ذلك في الملوك وأبنائهم ، فيأمر الملك ابنه بان يأمر العسكر بالحركة إلى جانب خاص ، ويكون غرضه ان يأتمر العسكر بامره ويتحركون إلى تلك الجهة بعد أمره ليظهر عندهم آمريته وعظمته.
امّا في القسم الأول ، فليس الأمر أمرا بالعمل أصلا ، لعدم تعلق الغرض به ، فلا يجب الإتيان به على الفاعل ، سواء أمره الواسطة أم لم يأمر فيما إذا لم تكن الواسطة بنفسها واجب الإطاعة ، بل كان شخصا عاديا. كما لا إشكال في لزوم العمل على الفاعل في القسم الثاني ولو لم يأمره الواسطة ، بل علم بغرض المولى من طريق آخر. واما في القسم الثالث فيفصل بين ما إذا أمر الواسطة فيجب ، وإلّا فلا ، لأنّ الغرض لم يكن مترتبا على ذات العمل ، وانما كان مترتبا عليه بما أمر به الواسطة ، فلو لم يأمر لا يكون ذا مصلحة أصلا. هذا كله في الأقسام المتصورة.
إلّا انّ ظاهر الأمر بالأمر بحسب الفهم العرفي هو الثاني ، أعني الطريقية المحضة ، ولذا لو أمر المولى ابنه وقال : «مر الخادم بان يشتري اللحم» ولم يفعل الولد ولكن الخادم بنفسه سمع صوت المولى ومع ذلك لم يفعل يعد معاقبا عند العقلاء ، وليس له ان يتعذر بأنّ الابن لم يأمرني بذلك ، وهذا واضح.