فصل : الأمر بالشيء بعد الأمر به
الأمر بالشيء بعد الأمر به يتصور على وجوه ، فإنه تارة : يكون كل منهما معلقا على سبب مغاير لما علق عليه الآخر ، مثلا يقول المولى : «ان ظاهرت فأعتق رقبة» ثم يقول : «ان أفطرت صوم شهر رمضان متعمدا فأعتق رقبة» ولا إشكال في هذا القسم في تعدد التكليف ، وانّ هناك خطابان : أحدهما مترتب على الظهار ، والآخر مسبب عن الإفطار ، فإذا فعلهما المكلف يكون الاكتفاء بعتق واحد وعدمه مبنيا على القول بتداخل الأسباب وعدمه ، وهذا خارج عن محل الكلام ، وسيأتي البحث عنه إن شاء الله في مفهوم الشرط.
فيبقى قسمان آخران وهما مورد البحث.
أحدهما : ما إذا اتحد السبب ، أي علق كل من الأمرين على سبب واحد.
ثانيهما : ما إذا لم يذكر المسبب أصلا ، كما لو قال : «أعط لزيد درهم» ثم قال ثانيا : «أعط لزيد درهما» فهل يكون الظاهر منهما تعدد التكليف أو يكون الثاني تأكيدا للأمر الأول؟
فنقول : ظاهر الأمر وان كان هو التأسيس ، والتأكيد في نفسه خلاف الأصل ، إلّا انّ ذلك انما يكون فيما إذا لم يكن الأمر مسبوقا بأمر آخر ، وإلّا فالتحفظ على إطلاق مادته يقتضي الالتزام بالتأكيد دون التأسيس ، وذلك لأنّ الطبيعي الواحد لا يعقل تعلق الأمرين به تأسيسا ، فلا بدّ من تقييد إطلاق مادة الأمر الثاني بعنوان كعنوان الآخر مثلا ، ففي مثال الأمر الثاني بالإعطاء لا بدّ وأن يقيد «أعط لزيد درهما» بعنوان الآخر ، فيكون المراد أعطه درهما آخر ، وهو خلاف الظاهر.