الطبيعة المطلقة أعني السارية ، فما هو السر في انّ امتثال البعث يتحقق بصرف وجود الطبيعي أي بأول وجوده ، وفي النواهي لا يتحقق الانزجار إلّا بترك جميع أفراد الطبيعي مع انّ المتعلق في كليهما هو الطبيعي بنحو السريان في الأفراد؟
والجواب المعروف عن هذا هو : انّ وجود الطبيعي يتحقق بأول وجود منه بخلاف عدم الطبيعة فانه لا يكون إلّا بترك جميع أفرادها.
وهذا الجواب غير تام عندنا ، وذلك لأنّ متعلق التكليف في كل من الأمر والنهي انما هو الطبيعة السارية لا المهملة ، ومن الواضح انها لا توجد في ضمن وجود فرد واحد من أفرادها ، بل كل حصة منها موجودة في ضمن فرد ، فإذا أوجد المكلف بعض أفرادها دون بعض يصدق انّ حصة منها موجودة ، والحصة الأخرى منها معدومة من غير فرق في ذلك بين كون الطبيعة متعلقة للأمر وكونها متعلقة للنهي.
وليعلم أولا ـ انّ محل كلامنا انما هو متعلق التكليف لا موضوعه ، فانّ الوجوب أيضا قد يكون انحلاليا بحسب أفراد موضوعه كما في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(١) فانّ ظاهره وجوب الوفاء بكل عقد لا بصرف وجود العقد ، بل مورد البحث هو المتعلق كالضرب والإكرام ونحوه ، مثلا لو قال المولى «اضرب زيدا» يمتثل بضرب واحد ، ولو قال : «لا تضرب زيدا» لا يتحقق الانزجار إلّا بترك كل ما يفرض للضرب من الأفراد مع انّ متعلق التكليف هو طبيعي الضرب بنحو السريان في كلا الموردين ، فما هو الفارق؟
والجواب الصحيح عن ذلك هو انّ الباعث على الأمر انما هو وجود المصلحة في المتعلق أو وجود غرض للمولى فيه يكون باعثا وداعيا له على ان يأمر ، وهو
__________________
(١) المائدة : ٢.