فتحصل : انه لا مانع من التعبد بغير العلم من ناحية الملاك على القول بالسببية أو الطريقية.
واما الإشكال الأول : وهو توهم استحالته من ناحية الخطاب ، بتخيل ان التعبد بالأمارة غير العلمية تستلزم اجتماع المثلين أو الضدين ، فيمتنع على الحكيم وغيره ، فتوضيح الحال في دفعه ان يقال : ان الحكم الظاهري إذا طابق الواقع فلا يستلزم اجتماع المثلين ، لأن التعبد بالحكم الظاهري المماثل للحكم الواقعي ان كان ناشئا عن نفس مصلحة الحكم الواقعي وملاكه فلا يكون في البين إلّا مصلحة واحدة وحكم واحد ، وإنما التعدد يكون في مرحلة الإنشاء وطريق إيصاله ، نظير ما لو فرضنا ان المولى أراد أن يأمر عبده بإكرام زيد فقال له : (أكرم زيدا) فلم يصل إليه ذلك فقال : (أكرم أخا عمر) فلم يصل إليه أيضا فأشار بيده وقال : (أكرم هذا) فان الحكم في مثل ذلك واحد وان كان إنشاؤه في الخارج متعددا ، وعلى هذا فليس في المقام حكمان ليلزم اجتماع المثلين ، بل الحكم واحد ، غاية الأمر ان طريق إيصاله متعدد ، فالحكم الواحد أنشأ تارة بعنوانه ، وأخرى بعنوان جعل الطريق والأمارة بقوله صدق العادل مثلا ، وأما إذا فرض أن الحكم الظاهري ناشئ عن ملاك آخر غير ملاك الواقع فلا محالة يكون هناك حكمان بعنوانين ، كما في سائر موارد اجتماع العامين من وجه ، فكما لا يلزم من اجتماع الحكمين المتوافقين في غير المقام من سائر موارد اجتماع العامين من وجه اجتماع المثلين فكذلك في المقام ، وقد تقدم تحقيق ذلك في بحث اجتماع الأمر والنهي.
نعم إذا كان الحكم الظاهري مخالفا للواقع كان لتوهم اجتماع الضدين مجال ، فإذا فرض ان صلاة الجمعة واجبة في الواقع ومع ذلك قامت الأمارة على حرمتها كانت الصلاة واجبة ومحرمة من دون كسر وانكسار في البين.
وقد أجيب عن ذلك بوجوه.