عدم جريان الاستصحاب ، فكيف يمكن أن يكون مانعا عن جريانه ، وكما صح للشارع جعل الأمارة على عدم المنع عن شيء مع ان أصالة الحل كافية لإثباته ، صح له جعل استصحاب عدم المنع أيضا ، ومن هنا لم يستشكل أحد في التمسك باستصحاب الطهارة المتيقنة ، مع ان قاعدة الطهارة بنفسها كافية لإثباتها.
وبالجملة قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو أصالة البراءة الشرعية يتوقف جريانهما على تحقق موضوعهما أعني به عدم البيان ، فكما انهما لا يجريان مع بيان التكليف ، لا يجريان مع بيان عدمه ، والاستصحاب صالح لكونه بيانا للعدم ، فيرفع به موضوع قبح العقاب بلا بيان ، ويكون سابقا عليه في الرتبة.
خامسها : ما يظهر من كلام الشيخ رحمهالله من المناقشة في الاستصحاب المزبور من حيث عدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة في الموضوع (١) ، وتوضيحه انه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة عرفا ليصدق نقض اليقين بالشك عند عدم ترتيب الأثر في ظرف الشك ، فانه مع عدمه كان إثبات حكم المتيقن للمشكوك من إسراء الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ، وذلك داخل في القياس لا في الاستصحاب ، وعليه فالترخيص المتيقن في المقام بما انه كان ثابتا لعنوان الصبي على ما هو ظاهر قوله عليهالسلام «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» (٢) فهو مرتفع بارتفاع موضوعه ، والمشكوك انما هو حكم آخر لموضوع آخر أعني به البالغ ، فلا مجال للاستصحاب ، بيان ذلك : ان العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام تنقسم إلى قسمين ، فمنها ما يكون بنظر العرف مقوما لموضوع الحكم ، ومن قبيل الوسائط في العروض ، كعنوان الاجتهاد المأخوذ في موضوع جواز التقليد ووجوبه ، والعدالة المأخوذة في جواز الائتمام ونفوذ الشهادة ، والصباوة المأخوذة في
__________________
(١) فرائد الأصول : ١ ـ ٣٧٨ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) وسائل الشيعة : ١ ـ باب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.