الحكم الإلزامي ، فان الأحكام الشرعية لما كانت في جعلها تدريجية فالحكم المشكوك فيه لم يكن مجعولا في زمان قطعا ، فنستصحب ذلك ما لم يحصل اليقين بجعله. ولا يرد على هذا التقريب ما أوردناه على التقريب المتقدم ، فان الموضوع في هذا الاستصحاب هو البالغ المكلف بنحو القضية الحقيقة في حالتي اليقين والشك.
نعم أورد عليه المحقق النائيني قدسسره بإيرادين (١).
أحدهما : ان عدم الجعل المتيقن سابقا عدم محمولي أزلي ، والعدم المشكوك فيه هو العدم النعتيّ المنتسب إلى الشارع ، واستصحاب العدم المحمولي الأزلي لا يثبت العدم النعتيّ. وبعبارة واضحة العدم المتيقن عدم قبل الشرع والشريعة وفي زمان عدم إمكان الجعل ، وهو غير منتسب إلى الشارع ، والعدم المشكوك عدم في ظرف إمكان الجعل ومنتسب إلى المولى ، فالمتيقن غير محتمل البقاء ، وما هو مشكوك لم يكن متيقنا سابقا ، نعم العدم الجامع كان متيقنا إلّا ان استصحابه لا يثبت خصوص الفرد المشكوك فيه.
وقد ظهر جواب ذلك مما تقدم ، فان المستصحب انما هو العدم المنتسب إلى الشارع بعد ثبوت الشرع والشريعة ، لما عرفت من ان جعل الأحكام كان تدريجيا ، فقد مضى من الشريعة زمان لم يكن الحكم المشكوك فيه قطعا ، فيستصحب ذلك ، هذا مع انك قد عرفت ان الانتساب يثبت بنفس التعبد الاستصحابي ، وليس هذا من المثبت في شيء.
ثانيهما : ان المحرك للعبد أعني الباعث أو الزاجر له انما هو التكليف الفعلي لا الإنشائي ، فالحكم الفعلي هو المؤثر وجودا وعدما ، ومن الواضح ان استصحاب عدم الجعل لا يثبت عدم التكليف الفعلي إلّا على القول بالأصل المثبت.
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ١٩٠.