ويرد عليه أولا : النقض باستصحاب عدم النسخ وبقاء الجعل ، الّذي لا خلاف في جريانه ، حتى جعله المحدث الأسترآبادي من الضروريات ، فلو كان نفي الحكم الفعلي باستصحاب عدم الجعل من الأصل المثبت كان إثبات الحكم الفعلي باستصحاب بقاء الجعل وعدم النسخ أيضا كذلك ، وهو واضح البطلان.
وثانيا : ان الإنشاء على ما حققناه في بحث الواجب المشروط وغيره ليس إلّا إبراز الأمر الاعتباري ، والاعتبار كما يمكن تعلقه بأمر فعلي يمكن تعلقه بأمر متأخر ، وعلى هذا فليس جعل الحكم وإنشائه إلّا اعتبار شيء على ذمة المكلف في ظرف خاص ، وبمجرد الاعتبار يتحقق الجعل والمجعول ، فان المعتبر موجود بنفس الاعتبار ، بل هما في الحقيقة أمر واحد ، وعليه فاستصحاب الحكم الإنشائي أو عدمه لا ينفك عن الاستصحاب الحكم الفعلي أو عدمه ، نعم مجرد ثبوت الحكم في عالم الاعتبار قبل تحقق موضوعه في الخارج لا يترتب عليه وجوب الإطاعة في حكم العقل ، وذلك من جهة ان الاعتبار قد تعلق بظرف وجود الموضوع على نحو القضية الحقيقية ، فمع عدم الموضوع لا يكون حكم في حق المكلف من الأول ، وانما الحكم لمن كان واجدا لتمام القيود المأخوذة في الموضوع ، والمحرك حينئذ نفس الاعتبار السابق لا أمر آخر يسمى بالحكم الفعلي.
فظهر ان التمسك باستصحاب البراءة بهذا التقريب متين جدا ، وعليه فلا يبقى مورد للرجوع إلى البراءة الشرعية أو العقلية إلّا في موارد عدم جريان الاستصحاب من جهة المعارضة أو غيرها ، من غير فرق في ذلك بين الشبهات الموضوعية والحكمية.
فان قلت : كيف يصح التمسك باستصحاب عدم الجعل في الشبهات الموضوعية مع ان مورد الشبهة لم يجعل له الحكم بشخصه ، واما الطبيعي المشكوك انطباقه على المورد فثبوت الحكم له يقيني ، فلا مورد للاستصحاب أصلا ، مثلا لو شككنا في كون