المائع المعين خمرا ، فالمائع بشخصه لم يجعل له الحرمة ولا الإباحة ، وثبوت الحرمة لطبيعي الخمر كثبوت الإباحة لطبيعي الماء يقيني ، فكيف يصح التمسك باستصحاب عدم الجعل.
قلت : أولا : ان الأحكام حيث انها مجعولة بنحو القضية الحقيقية ، فهي تنحل إلى أحكام عديدة بحسب افراد موضوعاتها ، كما هو مبنى جريان البراءة في الشبهات الموضوعية ، إذ بدونه لا يكون هناك حكم مجهول ليرفع بالبراءة ، فلا محالة يكون الشك في خمرية مائع مثلا مستلزما للشك في جعل الحرمة له ، فانه لو كان الفرد المشكوك فيه من افراد الخمر واقعا لزاد عدد الحرمة المجهولة لعنوان الخمر بواحد وإلّا لنقص ، ومن الواضح ان جعل الحرمة لهذا الفرد المشكوك فيه مسبوق بالعدم ، فيستصحب ذلك.
وثانيا : انه لو سلم عدم جريان أصالة عدم الجعل في الشبهة الموضوعية ، فلا مانع من الرجوع إلى الاستصحاب الموضوعي ، اما محموليا كما في كثير من الموارد ، واما أزليا كما في بعضها ، وقد قربنا جريان الاستصحاب في الاعدام الأزلية فيما تقدم.
فان قلت : ان استصحاب عدم جعل الإلزام في الشبهة الحكمية أو الموضوعية معارض باستصحاب عدم جعل الترخيص ، فانا نعلم إجمالا بثبوت أحد الأمرين ، فيسقطان بالمعارضة ، فلا بد من الرجوع إلى البراءة حينئذ.
قلت : أولا : يمكن المنع عن العلم الإجمالي بثبوت أحد الجعلين من الإلزام أو الترخيص ، وذلك لاحتمال أن يكون الترخيص الشرعي ثابتا بعنوان عام لكل مورد لم يجعل الإلزام بخصوصه ، كما كان على ذلك عمل أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في صدر الإسلام ، ولا يبعد استفادته من ردعه صلىاللهعليهوآلهوسلم أصحابه عن كثرة السؤال في قصة الحج