نعم لو فرضنا حصول الملاقاة بعد انعدام الطرف الآخر لم يكن العلم الثاني مؤثرا في التنجيز ، لعدم كونه علما بالتكليف الفعلي الموجب لتساقط الأصول في الأطراف.
وقد أجاب شيخنا الأنصاري قدسسره عن هذا الوجه بما حاصله (١) ان العلم الإجمالي بالنجاسة وان كان حاصلا بين الملاقي والطرف الآخر إلّا انه لا يمنع عن جريان الأصل في الملاقي ، إذ المفروض سقوط الأصل الجاري في الطرف الآخر قبل حدوث العلم الثاني ، وعليه فليس العلم الثاني علما بالتكليف الحادث غير التكليف الأول ، إذ المفروض احتمال أن يكون النجس هو الطرف الآخر المفروض تنجز حكمه بالعلم السابق ، وقد عرفت فيما مر انه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي ان لا يكون التكليف في بعض أطرافه متنجزا بمنجز سابق على العلم ، إذ معه لا يبقى إلّا احتمال حدوث التكليف في الطرف الآخر ، ولا مانع معه من الرجوع إلى الأصل النافي ، وبما ان أصالة الطهارة في مفروض الكلام قد فرض سقوطها في الطرف الآخر قبل العلم الثاني فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة في الملاقي ، أو استصحاب عدم ملاقاته مع النجس المترتب عليه بقاؤه على طهارته.
ولكن التحقيق : في المقام هو التفصيل بين ما إذا كان الطرف الآخر مجرى لأصل طولي سليم عن المعارض ، وما لم يكن كذلك ، فيجري الأصل في الملاقي في الصورة الثانية دون الأولى ، مثال ذلك انه إذا علم نجاسة الماء أو الثوب ، فقد عرفت فيما مر انه لا يترتب على هذا العلم إلّا سقوط أصالة الطهارة في كلا الطرفين ، واما أصالة الإباحة في الماء فلا مانع من جريانها ، فإذا لاقى الثوب شيئا آخر فلا محالة يحدث علم إجمالي جديد بنجاسته أو حرمة الماء المفروض حليته الظاهرية
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٤٢٤ ـ ٤٢٥ (ط. جامعة المدرسين).