مِنْ أَبْصارِهِمْ)(١) وقوله تعالى (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ)(٢) على ما احتمله بعضهم ، أو تكون بمعنى الباء ، فيكون الضمير حينئذ مفعولا لكلمة (فأتوا) ، ولفظ (ما) ظرفية زمانية ، فالمعنى إذا أمرتكم بشيء فأتوه عند استطاعتكم ، فلا يستفاد من الرواية إلّا اشتراط التكليف بالقدرة الساري في جميع التكاليف الشرعية. وهذا الاحتمال لا مناص من الالتزام به بعد عدم انطباق الاحتمالين الأولين على مورد الرواية ، فلو سلم انه في نفسه خلاف الظاهر ، فالقرينة القطعية ساقتنا إلى الأخذ به ، ومعه لا مجال للاستدلال بها في محل الكلام.
الثانية : المرسلة المحكية عن غوالي اللئالي كما في عوائد النراقي رحمهالله عن عليعليهالسلام انه قال : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» (٣) ، وتقريب الاستدلال بها ان لفظ الكل المذكور في الرواية لا يمكن أن يراد به العموم المجموعي ولا الاستغراقي في كلتا الفقرتين ، إذ لا يعقل الحكم بوجوب إتيان ما لا يتمكن المكلف من مجموعه أو جميعه ، فلا مناص من ان يراد به في الفقرة الأولى العموم المجموعي ، وفي الثانية العموم الاستغراقي ، ليكون المراد النهي عن ترك الجميع عند تعذر المجموع ، فيكون مفاد الرواية أنه إذا ترك المجموع لتعذره فلا يجمع في الترك ، بل يقتصر على ترك البعض دون بعض. وهذا المعنى يشمل الكلي الّذي له افراد متعددة تعذر الجمع بينها دون بعض والمركب من اجزاء مختلفة الحقيقة قد تعذر بعضها ، فان العام إذا كان ملحوظا بنحو العموم المجموعي لا يفرق فيه بين كون أجزائه متفقة الحقيقة أو مختلفة. وعليه فكل ما كان الواجب ذا افراد أو ذا أجزاء متعددة وجب الإتيان بما هو المقدور من أجزائه أو افراده.
__________________
(١) النور : ٣٠.
(٢) النمل : ٢٣.
(٣) عوالي اللئالي : ٤ ـ ٥٨.