لا يوجب انحلال العلم الإجمالي ليصح الرجوع إلى البراءة بعد ذلك قبل الفحص. نعم إذا لم يكن المعلوم بالإجمال ذا علامة وتمييز وكان عدده مرددا بين الأقل والأكثر جاز الرجوع إلى البراءة في مثل ذلك ، لكن المقام ليس من هذا القبيل كما عرفت (١).
والتحقيق في المقام أن يقال : ان كون المعلوم بالإجمال ذا علامة وتمييز لو سلم منعه عن انحلال العلم الإجمالي فانما يمنع فيما إذا لم يكن بنفسه مردد بين الأقل والأكثر ، كما إذا علمنا بوجود نجس بين آنية عديدة مردد بين الواحد والأكثر ، وعلمنا أيضا نجاسة إناء زيد بخصوصه المعلوم وجوده فيها ، فلو علم بعد ذلك بنجاسة إناء معين منها وجدانا أو تعبدا من دون إحراز كونه إناء زيد أمكن القول بعدم كونه موجبا لانحلال العلم الإجمالي الثاني ، الّذي لمتعلقه علامة وتمييز ، فان العلم الأول وان لم يكن مقتضيا للتنجيز حينئذ في غير ما علم نجاسته بخصوصه ، إلّا ان العلم الثاني مقتضى للتنجيز ، فلا يمكن الرجوع إلى الأصل في غيره ، لاحتمال انطباق إناء زيد عليه. وأما إذا كان المعلوم المفروض كونه ذا علامة وتمييز بنفسه مرددا بين الأقل والأكثر ، وظفرنا على المقدار المتيقن ، فلا مانع من الرجوع إلى الأصل في غيره ، فإذا علمنا بنجاسة إناء زيد المعلوم وجوده بين إناءات كثيرة ، وتردد بين كونه إناء واحدا أو أكثر ، ثم علم بعد ذلك كون إناء بخصوصه إناء زيد لم يكن مانع من الرجوع إلى الأصل في غيره.
والمقام من هذا القبيل ، فان التكاليف المعلومة بالإجمال بعنوان كونها مسطورة في الكتب المعتبرة بأنفسها مرددة بين الأقل والأكثر ، فإذا ظفرنا فيها بالمقدار المتيقن لم يكن مانع من الرجوع إلى الأصل في غيرها من جهة العلم
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ٢٧٩ ـ ٢٨٠.