المقام بتقريب : أن الواجب على المكلف ابتداء هو صلاة القصر ، وعلى تقدير تركه فالواجب هو الصلاة تماما ، فلا منافاة بين الحكم بصحة المأتي به وثبوت العقاب على ترك الواجب الأول.
ويرد عليه : أن لازم ذلك هو الالتزام بتعدد العقاب عند ترك الصلاة رأسا ، وقد عرفت عدم إمكان هذا ، مع أن ما ورد من الروايات المتظافرة من أن الواجب على المكلف في كل يوم خمس صلوات يكفي في إبطال القول بالترتب في المقام.
وقد أورد المحقق النائيني رحمهالله : على هذا الوجه بما حاصله (١) ، ان الترتب بين التكليفين ، وكون أحدهما في طول الآخر وان كان أمرا معقولا ، لا بد من الالتزام به في موارده على ما شيدنا أركانه في محله ، إلّا أنه لا يمكن الالتزام به في خصوص المقام لوجوه.
أولها : أن الخطاب المترتب لا بد من أن يكون موضوعه عصيان الخطاب المترتب عليه ، كما في مسألة الصلاة والإزالة ، ومن الظاهر أنه لا يمكن ذلك في المقام ، فان المكلف إذا التفت إلى كونه عاصيا للتكليف بالقصر انقلب الموضوع ، فيخرج عن عنوان الجاهل بالحكم ، فلا يحكم بصحة ما أتى به وأن لم يلتفت إلى ذلك ، فكيف يعقل أن يكون الحكم المجعول على هذا العنوان محركا له في مقام العمل؟!
ثانيها : ان وجوب الصلاة بما أنه غير موقت بوقت خاص ، بل هو ثابت موسعا بين المبدأ والمنتهى ، فعصيانه لا يتحقق إلّا بخروج الوقت وانقضائه ، وعليه فكيف يعقل تحقق العصيان في أثناء الوقت الّذي فرض موضوعا للحكم الثاني؟
ثالثها : ان الالتزام بالترتب ولو سلم إمكانه في المقام إلّا أنه لا دليل على
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ٢٩٣.