الطرفين لم يحكم بنجاسته ، أما الأعلى فلطهارته ، وأما الأسفل فلما بين في محله من طهارة ملاقي بعض أطراف الشبهة. وأما إذا فرضنا شيئا لاقى كلا الطرفين ، كما إذا وضعنا العباء بنجاستها في قدر من الماء ، لا بد من الحكم بنجاسته ، بناء على جريان استصحاب الكلي. وذلك لأنه بعد غسل الطرف الأعلى يشك في بقاء طبيعي النجاسة في العباء ، لأنها إن كانت في الطرف الأعلى فقد ارتفعت ، وإن كانت في الطرف الأسفل فهي باقية ، فيستصحب بقاؤها ، فيكون الملاقي ملاقيا للنجس بالتعبد الاستصحابي.
وهذا أمر لا يمكن الالتزام به ، لأن لازمه أن تكون الملاقاة مع مقطوع الطهارة موجبة لنجاسة الملاقي ، إذ المفروض انه لم يلاق إلّا مع طاهر ، هو الطرف الأعلى ، وشيء آخر لا يوجب ملاقاته النجاسة ، وهو الطرف الأسفل ، فكيف أوجب ضم أحدهما إلى الآخر نجاسة الملاقي ، مع ان كلا منهما لم يكن موجبا لها ، فلا بد من رفع اليد من استصحاب الكلي أو طهارة ملاقي بعض أطراف الشبهة.
وأجاب عنها المحقق النائيني بوجهين باعتبار دورتين (١) :
أحدهما : ان محل الكلام في القسم الثاني من استصحاب الكلي انما هو فيما إذا كان المتيقن مرددا بين فردين وحقيقتين ، بأن تردد وجود الكلي بين فرد متيقن الارتفاع وفرد آخر يحتمل البقاء. وأما إذا كان الإجمال من الجهات الأخر ، كالمكان أو الزمان واللباس ونحو ذلك ، فليس مورد استصحاب الكلي ، بل هو من قبيل استصحاب الفرد المردد الممنوع عنه ، نظير ما لو علم بوجود زيد في الدار ، وتردد بين ان يكون في الجانب الشرقي الّذي انهدم فمات ، وان يكون في الجانب الغربي فهو حي. أو علم بوجود درهم خاص لزيد فيما بين عشرة دراهم ، ثم ضاع
__________________
(١) فوائد الأصول : ٤ ـ ٤٢٢. أجود التقريرات : ٢ ـ ٣٩٤ ـ ٣٩٥.