رأى زيدا في الدار ، فعلم بوجوده فيها ، ثم رآه قد خرج ، وسمع صوت متكلم ، فعلم بوجوده فيها بهذا العنوان واحتمل كونه زيدا الّذي علم بخروجه كما احتمل أن يكون غيره وهو باق في الدار بعد جزما أو احتمالا.
والفرق بينه وبين القسم الثاني والثالث واضح. ففي القسم الثاني لم يتعلق اليقين بارتفاع المتيقن أصلا ، بل كان المتيقن مرددا بين متيقن الارتفاع ومشكوك البقاء ، فاليقين بالارتفاع فيه كان تقديريا ، بخلاف ما نحن فيه ، حيث يعلم المكلف بزوال ما علم بتحققه أولا. وفي القسم الثالث وان كان اليقين بارتفاع الفرد المتيقن حدوثه موجودا ، فهما مشتركان من هذه الجهة ، إلّا انه ليس فيه إلّا يقين واحد ، قد تعلق بأمر واحد ، وهو الفرد المتيقن زواله ، وفي المقام يقينان تعلقا بعنوانين ، أحدهما : ذات زيد في المثال ، والآخر : عنوان المتكلم ، بحيث لو سئل عما علم به أجاب بأني عالم بأمرين.
ويجري فيه الاستصحاب ، لتمامية أركانه ، إذ لا يعتبر فيه سوى اليقين بحدوث شيء بأي عنوان تعلق اليقين به والشك في بقائه ، ففي المثال تحقق الإنسان في الدار بعنوان المتكلم متيقن ، ويشك في بقائه ، فيستصحب بقاء الطبيعي الملغى عنه خصوصية كونه في ضمن زيد أو عمرو. ولا يعتبر في الاستصحاب كون المتيقن معلوما بذاته دون عنوانه ، على ما هو ظاهر إطلاق الأدلة.
نعم ربما يكون هذا الاستصحاب معارضا باستصحاب آخر شخصي أو كلي ، فيسقطان بالمعارضة ، والمثال الشرعي لذلك ما إذا علم المكلف بالجنابة ليلة الخميس ، وعلم بارتفاعها بالغسل ، ثم رأى في ثوبه أثرا ، فعلم بحدوث الجنابة حين خروجه بهذا العنوان ، وتردد بين ان تكون هي الجنابة السابقة التي اغتسل منها ، أو تكون جنابة أخرى باقية ، فيستصحب بقاء طبيعي الجنابة المتيقنة حين خروج ذاك الأثر مع إلغاء خصوصية كونها هي الجنابة السابقة أو غيرها ، ويعارضه استصحاب