نعم بناء على رجوع القيد إلى الحكم ، وعدم كونه دخيلا في الموضوع ، كان الحكم التعليقي سابقا حكما فعليا أيضا كالحكم التنجيزي المترتب عليه ، فلا مانع من استصحابه في مرحلة المجعول. إلّا ان المبنى بمراحل عن الواقع كما بيناه في بحث الواجب المشروط ، فليس في مورد استصحاب الحكم التعليقي متيقنا فعليا يشك في بقائه سوى الملازمة والسببية ، وهي حكم عقلي ثابت في كل مورد كان موضوع العرض مركبا ولم يتحقق أحد جزئيه ، فان العقل يدرك الملازمة بين تحقق الجزء الآخر والاتصاف بذاك الأمر العرضي ، كان حكما أو غيره ، إلّا أنه حكم عقلي لا يترتب عليه أثر ليستصحب.
ولعله لما ذكرناه عدل شيخنا الأنصاري في أمثال المقام (١) من استصحاب الحكم التكليفي إلى استصحاب بقاء السببية ـ أي سببية الغليان للنجاسة والحرمة ، فان الشارع جعل السببية للغليان ـ والملازمة زعما منه انها حكم تنجيزي لا تعليقي.
وفيه : انه على مسلكه ليس شيء من الأحكام الوضعيّة مستقلة في الجعل ، بل هي منتزعة من أحكام تكليفية ، ونحن وإن أنكرنا ذلك ، وبنينا على استقلال جملة منها في الجعل ، إلّا أنا بنينا على ان السببية وكذا الشرطية منتزعة من الحكم التكليفي ، أي أخذ أمر وجودي في متعلق الحكم التكليفي أو الوضعي ، فمن الأول ينتزع الشرطية ، ومن الثاني ينتزع السببية ، ومن الظاهر ان استصحاب الأمر الانتزاعي لا معنى له سوى استصحاب منشئه ، أي بقاء التكليف أو الوضع المتعلق بما أخذ فيه ذلك الأمر الوجوديّ ، وقد عرفت إمكان إجراءه فيه. هذا بناء على كون السببية منتزعة.
وأما لو بنينا على استقلالها في الجعل ، فحالها حال نفس الحكم التكليفي من
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٦٤٥ (ط. جامعة المدرسين).