وأما ان كان الأثر للواسطة حتى عرفا ، غايته من باب المسامحة يراه العرف أثرا لذيها ، فهذا النّظر العرفي لا دليل على اعتباره ، فالأمر دائر بين عدم الواسطة وكونها واسطة جلية. وأما ثبوت الواسطة ، وكونها خفية بذاك المعنى الّذي أفاده ، فمما لا نتعقله ، فمثبت الاستصحاب ليس بحجة على جميع التقادير.
إلّا ان جملة من الفقهاء القدماء ذكروا فروعا ، كلها مبتنية على الأصل المثبت ، ولعل ذلك من جهة بنائهم على حجية الأصل المثبت ، أو أنهم لم يميزوا الأصل المثبت من غيره ، فانه بحث حادث تعرض له بعض المتأخرين.
وكيف كان لا بأس بالتعرض لها ، وبيان المختار فيها :
أحدها : انه إذا كان الملاقي نجسا ، وكان أحد المتلاقيين مرطوبا سابقا ، ثم شك في بقاء رطوبته حين الملاقاة وعدمه ، فرتبوا على استصحاب بقاء الرطوبة فيه نجاسة الملاقى. فان رطوبة أحد المتلاقيين معتبرة في نجاسة الملاقى ، فان كل يابس زكي أي لا ينفعل بالملاقاة إلّا مع الميتة على بعض الأقوال.
والتحقيق : انه إن قلنا : انّ موضوع نجاسة الملاقي للنجس أو للمتنجس أيضا مركب من نجاسة الملاقى ورطوبة أحد المتلاقيين ، فلا مانع من إثبات نجاسة الملاقي باستصحاب بقاء الرطوبة في أحد المتلاقيين ، بضم الوجدان إلى الأصل ، فان الملاقاة للنجس وجداني ، وبقاء الرطوبة محرز بالاستصحاب ، فيتم الموضوع. وأما إن قلنا : بان موضوع النجاسة انما هو الانتقال والسراية ، أعني انتقال شيء من اجزاء النجس إلى الملاقي بسبب رطوبته أو رطوبة الملاقى ، فمن الظاهر عدم إمكان إثباته باستصحاب بقاء الرطوبة ، فانه من أوضح أنحاء الأصل المثبت.
والصحيح : هو القول الثاني ، وذلك لعدم ورود الدليل على سببية الملاقاة للنجاسة مطلقا ، ولا في بيان كيفية التنجس وطوره ، أو موضوع نجاسة الملاقي ، وإنما حكم بنجاسة جملة من الأشياء ، فلا محالة يرجع فيه إلى العرف ، فانه موكول