وأما تعارض الاستصحابين وتنافيهما في مرحلة الجعل ، فتارة : يكون أحد الشكين فيهما مسببا عن الشك في الآخر. وليس المراد السببية التكوينية ، فان مجرد كون أحد الشكين معلولا عن الآخر ومسببا عنه لا ينافي شمول الدليل لهما عرضا ، فلا تتم الحكومة ، بل المراد بها السببية الشرعية ، بأن يكون أحد المشكوكين أثرا شرعيا للآخر ، أي يكون أحدهما موضوعا والآخر حكمه ، ففي مثله مع جريان الأصل السببي لا يبقى مجال للأصل المسببي ، مثلا في القضايا الحقيقية كقوله : الخمر حرام ، إذا شك في خمرية مائع ، فلا محالة يشك في حرمته ، إلّا أن المشكوك الأول موضوع للمشكوك الثاني ، فإذا جرى استصحاب خمريته وتعبدنا الشارع بذلك لا محالة كانت الصغرى محرزة تعبدا ، فيترتب عليه حكمه ، وليس فيه شك بالتعبد الشرعي ليجري فيه الأصل. وكذا في الثوب المتنجس المغسول بماء مشكوك الطهارة ، فان المستفاد من الأدلة ان الحكم بطهارة الثوب مترتب شرعا على غسله بماء طاهر ، ولذا يكون الشك في طهارة الماء سببا للشك في طهارة الثوب المغسول به ، إلّا ان غسل الثوب بالماء محرز بالوجدان ، وكون الماء طاهر محرز بالأصل والتعبد ، فبضم الوجدان بالأصل يتم الموضوع ، ويترتب عليه حكمه ، وهو طهارة المغسول تعبدا ، فلا يشك فيه ليكون موردا للأصل.
وعليه فإذا فرضنا أن مورد أحد الاستصحابين كان هو الموضوع ، ومورد الآخر حكمه ، جرى الاستصحاب في الموضوع ، ولا مجال معه للاستصحاب في الحكم.
ثم انه ربما يتوهم ان الشك في حكم لحم الحيوان ، والشك في جواز الصلاة في اجزائه ، يكون من هذا القبيل ، فإذا جرى أصالة الحل في اللحم أو في الحيوان ترتب عليه حكمه ، وهو جواز الصلاة فيه.
وهو فاسد ، وذلك لأن أصالة الحل مفادها الترخيص الظاهري ، وجواز