وفي المقام كل من الخبرين الدال على الوجوب والدال على الحرمة انما ينفي الإباحة التوأمة مع الوجوب أو مع الحرمة لا مطلقا ، فإذا لم يثبتا فلم تثبت الإباحة التوأمة أيضا ، فلا مانع من الرجوع إليها إذا اقتضاها دليل فوقاني ، لعدم تمامية شيء من التقريبين.
فتلخص مما ذكر أنه إذا تعارض الدليلان ، بأن دل أحدهما على وجوب شيء ، والآخر على حرمته ، لا يمكن الأخذ بشيء منهما ، حتى في نفي الثالث.
أما فيما كان دليل حجيته هي السيرة فواضح عدم بناء من العقلاء على الأخذ بالأمارة إلّا فيما لم يكن لها معارض ، فلا مقتضي لحجيته. وأما فيما كان هناك إطلاق لفظي فكذلك ، لما عرفت من أنه لا يمكن شموله لهما معا ، ولا لأحدهما معينا ، والواحد لا بعينه ليس إلّا عنوان انتزاعي ، لا يعمه دليل الحجية.
هذا كله على الطريقية.
وأما على السببية فذكر شيخنا الأنصاري (١) وتبعه غيره رجوع التعارض بين الأمارات إلى باب التزاحم.
وتفصيل الكلام فيه : هو انه قد يراد من السببية المصلحة السلوكية التي التزم بها الشيخ ، وجمع من العدلية ، في جواب شبهة ابن قباء ، وهي عبارة عن اشتمال سلوك الطريق وتطبيق العمل عليه على مصلحة يتدارك بها ما يفوت على المكلف من المصلحة الواقعية بسبب السلوك ، من دون ان يتبدل الواقع عما هو عليه من المصلحة أو المفسدة ، ولذا يختلف مقدارها باختلاف طول السلوك وقصره من حيث انكشاف الخلاف ، فان من قامت لديه الأمارة على عدم وجوب السورة في الصلاة إذا سئل لما ذا تركتها في صلاتك؟ أجاب بقيام الأمارة على عدم وجوبها ، فهو يسلك الأمارة في تركه للسورة وإذا سئل في الوقت لما ذا لا تعيدها
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٦٠ ـ ٧٦٢ (ط. جامعة المدرسين).