الصورة الثانية : ما إذا كان بين الخاصّين عموم من وجه. كما إذا ورد أكرم العلماء ، ثم ورد لا تكرم فساقهم ، وورد لا تكرم شعراءهم ، فان النسبة بين العالم الشاعر والعالم الفاسق هو العموم من وجه. وفي هذا الفرض تقديم أحد الخاصّين وتخصيص العام به يوجب انقلاب نسبة العام مع الخاصّ الآخر أي العموم من وجه ، بداهة ان العالم غير الشاعر مع العالم الفاسق بينهما عموم من وجه ، فان أمكن تخصيص العام بهما معا تعين ، وان لم يمكن لاستلزامه التخصيص المستهجن جرى فيه التفصيلات المتقدمة بأجمعها.
إلّا ان هذه الصورة تفرق عن الصورة الأولى بتوهم وهو : ان السابق من الخاصّين زمانا يخصص العام ، لعدم المانع ، ثم الخاصّ المتأخر تكون النسبة بينه وبين العام عموم من وجه ، فلا يمكن تخصيص العام به ، ولو لم يلزم منه التخصيص المستهجن. فالفرق بينهما من هذه الجهة ، فان تخصيص العام بأحد الخاصّين المتباينين لا يستلزم انقلاب النسبة بين العام المخصص والخاصّ الآخر ، بخلاف تخصيصه بأحد الخاصّين اللذين بينهما العموم من وجه.
لكنه توهم فاسد ، لما بيناه من ان السبق واللحوق الزماني بين الأدلة انما يكون في مرحلة الإثبات دون الثبوت ، فان جميعها تخبر عن الجعل والتشريع ، فنسبة الخاصّ المتأخر والمتقدم إلى العام نسبة واحدة ، لأن كلا منهما يبين المراد الجدي من العام ، فلا وجه لتقديم أحدهما على الآخر ، لأنه بلا مرجح. فالأئمة عليهمالسلام بأجمعهم بمنزلة رجل واحد ، والمخبر به في الروايات الصادرة منهم هو أمر واحد ، ومن هنا يجعل الخاصّ الصادر من أحدهم مخصصا للعام الصادر من الآخر ، وإلّا لم يكن لذلك وجه أصلا ، إذ لا مجال لجعل الخاصّ الصادر من أحد مخصصا للعام الصادر من شخص آخر ، فلا بد في الفرض من تخصيص العام بكلا الخاصّين ان لم يلزم منه محذور ، وإلّا وقعت المعارضة بينهما كما في الخاصّين المتباينين.