مقام البيان قليل جدا ، كقوله تعالى (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١) مثلا فيمكن أن لا يكون شيء من الخبرين موافقا ولا مخالفا للكتاب. ولم يكن أحدهما موافقا للعامة والآخر مخالفا ، بل كانا معا موافقين ، فان علماء العامة أيضا مختلفون في الفتوى فكان كل من الخبرين موافقا لقول ، أو كانا معا مخالفين للعامة ، أو لم يكن ذاك الحكم معنونا في فقه العامة ليعرف فتواهم فيه ، فكثيرا ما يتحقق خبران متعارضان ليس لأحدهما ترجيح من هذه الجهات ، فلا يلزم من تقييد أدلة التخيير بها تخصيصها بالأفراد النادرة.
والظاهر ان الكليني أشار إلى هذا في ديباجة كتاب الكافي حيث ذكر بما حاصله : ان قلّ مورد يكون من موارد التعارض يكون أحد المرجحات المذكورة موجودا في أحد الخبرين ، فليس هناك شيء أوسع وأحوط من التخيير والأخذ بأحد الخبرين ، ولم يذهب قدسسره إلى التخيير ابتداء (٢).
الثالث : انّ ظاهر اخبار التخيير كونها في مقام البيان ، فإذا قيدناها باخبار الترجيح لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وهو قبيح.
والجواب : ان ظهور أخبار التخيير في كونها في مقام البيان وان كان مما لا ينكر ، وتقييدها باخبار الترجيح يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، إلّا انه ليس بقبيح إذا كان التأخير لمصلحة ، كما هو الحال في جميع موارد تقييد المطلقات بالمقيدات المنفصلة ، وليس للمقام خصوصية. ومن الظاهر أن أقوى المطلقات كقوله عليهالسلام «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال» (٣) وفي بعض الأخبار
__________________
(١) البقرة : ٢٧٥.
(٢) أصول الكافي : ١ ـ ص ٨ ـ ٩.
(٣) وسائل الشيعة : ٧ ـ باب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، ح ١.