الوجه الثاني : استشهاده (١) بقوله عليهالسلام «فان الرشد في خلافهم» بنحو التقريب المتقدم بدعوى : ان المراد بالرشد ليس هو الرشد الحقيقي ، وإلّا كان الخبر الموافق لهم ساقطا عن الاعتبار قطعا ، لا أنه عدله عند عدم المرجح ويرجح عليه المخالف لوجود المرجح فيه ، فالمراد ان الخبر المخالف للعامة فيه الرشد بالإضافة إلى الموافق ، أي فيه جهة أقربية إلى الواقع ليست موجودة في معارضه ، فيتعدى عنها إلى غيرها.
وفيه : أولا : انّ هذه الجملة لم نعثر عليها في الأخبار ، وإنّما هي مذكورة في الكافي وعبارة الكليني. نعم في المرفوعة علل الأخذ بما خالف العامة بأن الحق في خلافهم ، وهو وان كان موافقا لها في المضمون ، إذ الحق والرشد متقاربان من حيث المعنى ، إلّا أن المرفوعة كما عرفت ضعيفة السند.
وأما المقبولة فالمذكور فيها هكذا «ما خالف العامة ففيه الرشاد» (٢) وليس مشتملا على التعليل ليتعدى بعمومه. وقد يفرض اشتمالها على التعليل ، إلّا أنه يمكن ان يكون المراد بالرشاد الرشاد الحقيقي ، فان أكثر فتاوى العامة مبنية على قياسات واستحسانات غير مطابقة للواقع ، فالخبران المتعارضان إذا كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر بحسب الأغلب يكون الرشاد في المخالف منهما للعامة ، فنوعا يكون الرشد في مورد التعارض في الخبر المخالف لهم من المتعارضين ، دون الموافق. ولا ينافي ذلك أي كون المخالف بيّن الرشد غالبا احتمال مطابقة الموافق المعارض له موافقا للواقع ، ولو من باب كونه من الأفراد النادرة ، فان العامة ليس جميع فتاواهم مخالفة للواقع. فهذا الوجه أيضا ساقط.
فالصحيح : عدم إمكان التعدي عن المرجحين المنصوصين إلى غيرهما.
__________________
(١) فرائد الأصول : ٢ ـ ٧٨١ (ط. جامعة المدرسين).
(٢) وسائل الشيعة : ١٨ ـ باب ٩ من أبواب صفات القاضي ، ح ١.