ثم انك قد عرفت ان مقتضى القاعدة في تعارض الحجتين هو التساقط ، بمعنى عدم إمكان شمول دليل الحجية لشيء منهما.
فحجية أحدهما تعيينا أو تخييرا تحتاج إلى دليل. ففي تعارض الخبرين ان كان أحدهما موافقا للكتاب دون الآخر ، أو كانا معا موافقين ، أو مخالفين للكتاب ، ولكن كان أحدهما مخالفا للعامة دون الآخر ، كان هو الحجة ، لما دل على ذلك من صحيحة الراوندي. وإلّا فأدلة الأصول العملية العقلية والنقليّة من البراءة والاشتغال والاستصحاب بحسب اختلاف الموارد هي المحكمة ، لا يمكن رفع اليد عنها إلّا بدليل. مثلا إذا دل دليل على وجوب القصر في ظهر يوم الجمعة ، ودليل على وجوب الإخفات فيها ، أو على وجوب القصر في مورد الإتمام في نفس ذلك المورد ، ولم يكن أحد المرجحين موجودا في أحدهما ، كان مقتضى العلم الإجمالي هو الاشتغال والاحتياط بالجمع بين الأمرين. كما أنه إذا كانت الشبهة من قبيل الشك في الحكم كانت البراءة العقلية والنقليّة محكمة. وهكذا الحال في تعارض الأمارات في الموضوعات ، فان الاستصحاب فيها محكم.
وبالجملة مقتضى عمومات أدلة الأصول العملية عند تعارض الأمارتين ، وعدم شمول دليل اعتبار الأمارة لهما ، هو الرجوع إليها. وأما الأخذ بإحدى الأمارتين ، فهو محتاج إلى دليل مخصص لأدلة الأصول العملية.
فما ذكره المحدث الكليني من أن الأحوط عند تعارض الخبرين وفقد المرجح هو الأخذ بأحدهما ليس على ما ينبغي ، فانه لو دل دليل على التخيير فهو المتعين ، لا الأحوط ، وإلّا فلا وجه لرفع اليد عن عموم أدلة الأصول العملية.
فلا بد من البحث عن دليل التخيير. وما عثرنا عليه من الروايات ليست إلّا ثمانية.