وليعلم ان ما ذكرناه في الشبهة الحكمية لا ينتقض بالشبهات الموضوعية ، فان الشك فيها إنّما هو في بقاء الموضوع ، فإذا شك في الطهارة لاحتمال تحقق النوم ، فإذا جرى فيه الاستصحاب وثبت بقاء الموضوع بالتعبد الشرعي ترتب عليه الحكم الشرعي لا محالة. وهذا بخلاف الشك في سعة المجعول وضيقه ، فانه ليس هناك شك من غير ناحية الحكم أصلا لا في بقاء ذات الموضوع ، ولا في شيء من خصوصياته ، ليجري فيه الاستصحاب ، إلّا بعنوان الموضوعية للحكم الّذي مرجعه إلى الشك في نفس الحكم ، وقد عرفت المعارضة فيه.
ومن ثم أنكرنا تبعا للشيخ جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية ، كما إذا ثبت وجوب إكرام العالم ، وشككنا في ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس أو يعمه وما انقضى عنه المبدأ. أما في الموضوع ، فلعدم الشك في بقاء ما كان متيقنا ، إذ المفروض أنه كان متلبسا بالعلم سابقا ، وقد انقضى عنه المبدأ بالفعل يقينا ، وأما في الحكم ، فلعدم إحراز الموضوع ، فلا تقاس الشبهة الحكمية بالموضوعية.
ثم ان الفاضل النراقي أشكل على نفسه بأن شرط استصحاب عدم الجعل وهو اتصال زمان اليقين بالشك مفقود ، فان زمان اليقين بعدم حرمة وطئ الحائض مثلا هو قبل الحيض ، وزمان الشك في ذلك بعد انقطاع الدم ، واتصالهما معتبر في الاستصحاب ، لمكان الفاء في الصحيحة.
ثم أجاب عنه باتصالهما ، لإمكان فرض زمان الشك أيضا قبل الحالتين ، فالجعل بالقياس إلى الزمان المشكوك فيه من أول الأمر كان مشكوكا.
واستغرب المحقق النائيني (١) من هذا الجواب ، وذكر ان اتصال زماني الصفتين وان كان ثابتا إلّا ان المعتبر اتصال زمان المتيقن بالمشكوك ، وهو مفقود ، مثلا إذا علم عدالة زيد يوم الجمعة ، وعلم بارتفاعها يوم السبت ، وشك
__________________
(١) أجود التقريرات : ٢ ـ ٤٠٤ ـ ٤٠٥.