بجعل الحكم الإلزامي أو الترخيصي في مورد الشك ، ويسقطان ، فيجري استصحاب بقاء المجعول بلا معارض.
وفيه : أولا : ان الترخيص كان ثابتا في أول الشريعة لجميع الأشياء ما لم يجعل لها إلزام من وجوب أو حرمة ، ويشهد له قوله تعالى (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم «ليس عليكم السؤال» وقوله عليهالسلام : «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (١) وهذا هو الترخيص العقلائي الثابت ببنائهم ، وقد أمضاه الشارع ، وموضوعه مغيا بعدم جعل الإلزام ، فإذا شك فيه كانت الشبهة موضوعية ، لأنه شك في بقاء موضوع الترخيص وارتفاعه بجعل الإلزام ، فيجري فيه الاستصحاب ، فيثبت حكمه وهو الترخيص ، فالاستصحاب من حيث الحكم الترخيصي مثبت للترخيص ، لا ناف له ليعارض به استصحاب عدم جعل الحكم الإلزامي.
وثانيا : سلمنا جريان الاستصحابين ، إلّا أنه لا وجه للمعارضة بينهما ، وذلك لأن المعارضة بين الأصلين الجاريين في طرفي العلم الإجمالي إنما تكون فيما إذا استلزم جريانهما المخالفة القطعية أو التعبد بمتناقضين ، وإلّا فلا مانع من جريانهما ، وشيء من الأمرين غير موجود في المقام.
أمّا المحذور الثاني ، فلأن التعبد بعدم الضدين ليس أمرا مستحيلا كالتعبد بالوجود والعدم. وأما المحذور الأول أعني المخالفة القطعية فعدم لزومه في مقام العمل ظاهر. واما في مقام الفتوى ، فلأن الفقيه إذا أفتى في الفرض بالإباحة تعويلا على أصل عملي ، لا يعلم بمخالفة فتواه للواقع ، لأن ثبوت الإباحة الواقعية محتملة.
هذا مضافا إلى أن مجرد المخالفة الالتزامية في الفتوى لو كانت مانعة عن الإفتاء لانسد بابها رأسا ، فان المجتهد لا يحتمل مطابقة جميع ما أفتى به وجمعه في
__________________
(١) الكافي : ١ ـ ١٦٤.