قلنا بعدم وجوب المقدّمة وذلك كالوضوء والغسل لمسّ كتابة القرآن فإنّ أقصى ما يستفاد من الأدلّة تحريم المسّ على المحدث ، وأمّا الأمر بالوضوء لأجله إذا وجب بأحد أسبابه الموجبة له فلا ، بل يتوقف ذلك على البناء على وجوب المقدّمة فإن قلنا بوجوبها صحّ الإتيان بالطهارة لأجلها لرجحانها إذن كذلك ، نظرا إلى تعلّق الأمر بها تبعا للأمر بما يتوقّف عليها.
فلا فرق حينئذ بين الغاية المذكورة وسائر الغايات الّتي تعلّق الأمر بالطهارة لأجلها ؛ غاية الأمر تعلّق الأمر بها هناك أصالة وهاهنا تبعا.
وقد عرفت أنّ ذلك لا يكون فارقا بينهما بحسب المعنى ؛ غاية الأمر أن يختلف لذلك وجه الدلالة والاستنباط وذلك لا يقضي باختلاف الحال في المدلول حسب ما بيّنّاه ، وإن قلنا بعدم وجوبها لم يصحّ الإتيان بها لأجل تلك الغاية ، إذ لا رجحان حينئذ في الطهارة من جهتها ، فلا يصحّ التقرّب بها لأجلها ، بل لابدّ حينئذ من الإتيان بها لسائر الغايات الّتي ثبت رجحان الطهارة لأجلها حتّى يصحّ الطهارة الواقعة ويجوز له الإتيان بتلك الغاية.
وفيه : أنّ الإتيان بالفعل لأجل التوصّل إلى الواجب جهة مرجّحة لذلك الفعل وان لم نقل بوجوب مقدّمة الواجب كما مرّت الإشارة إليه ، ولذا قلنا بترتّب الثواب عليه إذا أتى به على الوجه المذكور على القول بعدم وجوب المقدّمة أيضا وذلك كاف في رجحان الإتيان بالمقدّمة للغاية المفروضة.
نعم يثمر ما ذكر في جواز قصد الوجوب في الفعل المذكور أو وجوب قصده على القول بوجوب نيّة الوجه.
قوله : (مع كونه مقدورا ... الخ).
قد يقال : إنّ قوله : «مطلقا» يقضي بخروج الواجب المشروط عن محلّ النزاع مطلقا ، ولا ريب أنّ التكاليف كلّها مقيّدة بالنسبة إلى القدرة على نفس الواجب وعلى مقدّماته ، فلا يكون الأمر بالشيء مع عدم القدرة على مقدّمته مطلقا ليحتاج في إخراجه إلى التقييد بكونها مقدورة.