لكنّك خبير بأنّ قضيّة وجوب السبب وجوب نفس الإرادة الملزمة ، فإنّ ذلك هو السبب في صدور الأفعال وليست الأوامر متعلّقة بها في الغالب ، فاختصاص كلام القائل بانصراف الأوامر إلى الأسباب نظرا إلى ما يوهمه من اختصاص القدرة عنده بما يتعلّق به الإرادة والاختيار بلا واسطة لا يقضي بتخصيص السبب في المقام بذلك ، وحينئذ فدعوى تعلّق الأمر غالبا بالأسباب كما ترى.
قوله : (لنا أنّه ليس لصيغة الأمر ... الخ).
لمّا كان مختار المصنّف ملفّقا من أمرين ـ أعني نفي الدلالة على وجوب المقدّمة لفظا ونفي ملازمته له عقلا ـ أراد إثبات الأوّل بقوله : «أنّه ليس لصيغة الأمر دلالة ... الخ» وإثبات الثاني بقوله : «ولا يمتنع عند العقل تصريح الآمر ... الخ» فجعل كلّ من الوجهين دليلا مستقلّا على المطلوب ـ كما في كلام الفاضل المحشّي ـ ليس على ما ينبغي ، إذ ليس في العبارة ما يفيد ذلك ، بل ظاهر سياقها يأبى عنه ، فلا داعي لحملها عليه ؛ مضافا إلى أنّها لو حملت على ذلك كان استناده إلى الوجه الأوّل فاسدا جدّا ، إذ أقصى ما يفيده نفي الدلالة اللفظيّة ولا إشعار فيه بنفي الدلالة العقليّة التابعة لملازمة إيجاب الشيء لإيجاب مقدّمته.
قوله : (ولا يمتنع عند العقل ... الخ).
فلو كان هناك ملازمة عقليّة بين الأمرين لامتنع عند العقل تصريح الآمر بعدم وجوبه لما فيه من الحكم بتفكيك الملزوم عن اللازم.
وفيه أوّلا : أنّه لو تمّ فإنّما يتمّ في رفع اللزوم البيّن ولو كان بمعناه الأعمّ ، وأمّا اللزوم الغير البيّن المفتقر إلى ملاحظة الوسط في الحكم بالملازمة فتجويز العقل للانفكاك بينهما وتجويزه في بادئ النظر ترك المقدّمة لا يفيد جوازه بحسب الواقع.
وبتقرير آخر : إن اريد بجواز التصريح بجواز تركها إدراك العقل لجوازه بحسب الواقع ، فالملازمة مسلّمة لكن بطلان التالي ممنوع ، كيف وهو أوّل الدعوى؟ ومجرّد تجويز العقل في بادئ الرأي تصريحه بجواز تركها لا يفيد