والجواب عنه ظاهر بملاحظة ما مرّ من عدم استحقاق العقوبة على ترك المقدّمة وإنّما يكون ترك الواجب في الأوّل أشنع من جهة تهاونه فيه مع سهولة أدائه ، ومع الغضّ عن ذلك فأيّ مانع من أن يكون عقوبة التارك للوضوء على شاطئ النهر أقوى كيفيّة من الآخر وإن كان عقوبة الآخر أكثر كميّة ، نظرا إلى اختلاف الحال في العقوبة بحسب صعوبة الفعل وسهولته فبعد ملاحظة العقوبة المترتّبة على كلّ منهما وموازنة أحدهما بالآخر تكون عقوبة الأوّل أعظم ، على أنّه يمكن المعارضة بأنّه لو لم يجب المقدّمة لكان ثواب الآتي بالوضوء على شاطئ النهر مماثلا لثواب من أتى به مع البعد عن الماء بعد تحمّل مشاقّ عظيمة لتحصيله مع أنّ العقل حاكم قطعا بزيادة الثواب في الثاني ، وليس ذلك إلّا لوجوب المقدّمة.
ويمكن دفع ذلك بأنّه إن كان تحمّله لمشاقّ تلك المقدّمات لا لأجل إيصالها إلى الطاعة بل لأغراض نفسانيّة فلا ريب في عدم استحقاقه زيادة المثوبة لأجلها وإن كان من جهة الإيصال إلى الطاعة فلا مانع من القول بترتّب الثواب حينئذ على المقدّمات ولو على القول بعدم وجوبها نظرا إلى رجحان الجهة المذكورة ، فيصحّ قصد الطاعة بفعل المقدّمة من جهة التوصّل بها إلى مطلوب الشارع ، فتصير راجحة عبادة بالنيّة ، كما هو الحال في المباحات إذا أتى بها لمقاصد راجحة كما مرّت إليه الإشارة.
قوله : (لو لم يقتض الوجوب ... الخ).
هذه الحجّة ذكرها العلّامة في النهاية والتهذيب وقد حكيت عن الرازي في المحصول قيل وكأنّها مأخوذة من كلام أبي الحسين البصري.
قوله : (وحينئذ فإن بقي ذلك الواجب واجبا ... الخ).
يعني : أنّه إذا تحقّق منه ترك المقدّمة نظرا إلى جواز تركها لزم أحد المحذورين ، فإنّه إذا جاز له تركها لم يكن هناك مانع من إقدامه عليه فإذا أقدم عليه حينئذ يترتّب عليه المفسدة المذكورة ، وليس غرض المستدلّ تفريع تلك المفسدة على مجرّد جواز الترك ابتداءا حتّى يرد عليه ما قيل من أنّ المفسدة