ثانيها : أنّه هل يتصوّر تقدّم وجوب المقدّمة على وجوب ذيها بحيث لو علم أو ظنّ تعلّق الوجوب بذي المقدّمة بعد ذلك وجب عليه الإتيان بالمقدّمة قبل وجوبها أو أنّها لا تجب إلّا بعد وجوب ذيها ، وليس الكلام في ذلك مبنيّا على القول بوجوب المقدّمة ، بل يجري على القول بعدم وجوبها أيضا إذا كانت ممّا تعلّق الأمر بها أصالة لأجل غيرها.
والحاصل : أنّه إذا كان الوجوب المتعلّق بالفعل غيريّا سواء كان ثبوته له على وجه التبعيّة أو بالأصالة ـ كما في الوضوء بالنسبة إلى الصلاة الواجبة ـ فهل يتوقّف وجوبه على وجوب ذلك الغير أو يمكن القول بوجوبه قبل وجوب الآخر؟ قولان.
والمحكيّ عن ظاهر الجمهور البناء على الأوّل من غير إشكال فيه ولذا قطعوا بعدم وجوب الوضوء قبل وجوب شيء من غاياته.
وذهب جماعة ـ منهم صاحب الذخيرة والمحقّق الخوانساري ـ إلى الثاني وزعموا أنّه لا مانع من أن يكون الفعل واجبا لغيره قبل وجوب غايته إذا كان وجوبها في وقتها معلوما أو مظنونا.
واحتجّ للأوّل بأنّ السبب في وجوب ما يجب لغيره هو وجوب ذلك الغير ولذا يسقط وجوبه عند سقوط الوجوب عن الغير ، فلا يتعقّل تقدّم وجوبه على وجوب ذلك الغير إذ لا يتقدّم المعلول على علّته.
وأورد عليه بالمنع من كون العلّة في وجوب المقدّمة منحصرة في وجوب ذيها ، لجواز أن يكون العلّة فيه أحد الأمرين من ذلك ومن العلم أو الظنّ بوجوبه في المستقبل مع مطابقته للواقع فلا مانع إذن من وجوبها قبل وجوب الغاية نظرا إلى حصول العلّة الثانية.
ويدفعه : أنّ المقصود من العلم أو الظنّ بوجوب الغير في وقته هو وجوبه مطلقا ولو مع ترك مقدّمته قبل وجوبه ، فيكون ترك المقدّمة باعثا على ترك الواجب في ذلك الوقت ، لعدم التمكّن منه حينئذ أو يراد بذلك العلم أو الظنّ بوجوبه على فرض وجود مقدّمته لا مع عدمه ، فعلى الأوّل يتمّ ما ذكر من الوجه