مجزيا عن الواجب وكان متّصفا بالوجوب بحسب الواقع وإن لم يأت به من جهة وجوبه.
سادسها : ما مرّ من الكلام في مقدّمة الواجب يجري بعينه في مقدّمات ترك الحرام أعني ما يتوقّف عليه ترك الحرام من الأفعال والتروك بل يندرج ذلك في مقدّمة الواجب ، نظرا إلى وجوب ترك الحرام ، وكما أنّ مقدّمة الواجب قد تكون مقدّمة لوجوده وقد تكون مقدّمة للعلم بحصوله ، فكذا مقدّمة ترك الحرام قد تكون مقدّمة لنفس الترك سواء كانت فعلا أو تركا ، وقد تكون مقدّمة للعلم به كما في الحلال المشتبه بالحرام ، كما إذا اشتبه الدرهم الحلال بالحرام فإنّه يتوقّف العلم بالاجتناب عن الحرام على التجنّب عن جميع ما وقع فيه الاشتباه ، فيجب الاجتناب عن الكلّ.
وذهب جماعة إلى عدم وجوب التجنّب ، نظرا إلى بعض الأخبار الدالّة على عدم وجوب الاجتناب عن الحرام إلّا مع العلم به بعينه دون المشتبه ، فلا يجب ترك الحرام مطلقا حتّى يجب مقدّمة العلم به ، وهو ضعيف كما سيجيء تفصيل القول فيه في محلّه إن شاء الله.
ثمّ الظاهر إنّ ما اختاره الجماعة من عدم وجوب التجنّب إلّا عن الحرام المعلوم إنّما هو بالنسبة إلى الماليّات ونحوها ، وأمّا بالنظر إلى الإقدام على سائر المحرّمات كما إذا اشتبه الكافر بالمسلم ومن يحلّ سبيه بمن لا يحلّ ومن يحلّ وطؤه بمن يحرم أو اشتبه الخمر بغيره أو السمّ بغيره ونحو ذلك فإنّ الظاهر : أنّ أحدا لا يقول بجواز الإقدام وتوقّف التحريم على العلم فيحكم في الأمثلة المذكورة بحلّ القتل والسبي والوطء والشرب والأكل بمجرّد الشبهة الحاصلة كيف وربما يعدّ المنع من ذلك من الضروريّات الواضحة المستغنية عن تجشّم ذكر الأدلّة هذا.
وقد علم ممّا ذكرنا حرمة السبب المفضي إلى الحرام ، لتوقّف ترك الحرام على تركه بل لا يبعد القول بتحريمه ولو على القول بعدم وجوب المقدّمة الشرطيّة نظرا