فإن قلت : لو كانت المقدّمة المفروضة متقدّمة على الفعل المفروض تمّ ما ذكر ، لتعلّق الوجوب به بعد تحقّق شرطه ، فيصحّ تلبّسه به. وأمّا إذا كان حصول المقدّمة مقارنة لحصول الفعل ـ كما هو المفروض في المقام ـ فلا يتمّ ذلك ، إذ لا وجوب للفعل المفروض قبل حصول مقدّمة وجوبه ، فلا يصحّ صدوره عن المكلّف ، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك.
قلت : إنّما يتمّ ذلك إذا قيل بلزوم تقدّم حصول الشرط على المشروط بحسب الوجود، وعدم جواز توقّف الشيء على الشرط المتأخّر بأن يكون وجوده في الجملة كافيا في حصول المشروط. وأمّا إذا قيل بجواز ذلك ـ كما هو الحال في الإجازة المتأخّرة الكاشفة عن صحّة عقد الفضوليّ وتوقّف صحّة الأجزاء المتقدّمة من الصلاة على الاجزاء المتأخّرة منها ـ فلا مانع من ذلك أصلا ، فإذا تيقّن المكلّف على حسب العادة بحصول الشرط المذكور تعلّق به الوجوب وصحّ منه الإتيان بالفعل.
فإن قلت : من أين يستفاد كون الشرط الحاصل في المقام من هذا القبيل حتى يصحّ الحكم بصحّة الفعل المفروض ، مع أنّ مقتضى الأصل الأوّلي انتفاء الصحّة؟
قلت : إنّ ذلك أيضا قضيّة إطلاق الأمر المتعلّق بالفعل ، إذ أقصى ما يلزم في حكم العقل تقييده بصورة الإتيان بالأهمّ. وأمّا مع خلوّ زمان الفعل عن الاشتغال به ـ بحسب الواقع ـ فلا مانع من تعلّق التكليف بغير الأهمّ ، فإذا علم المكلّف ذلك بحسب حاله لم يكن هناك مانع من اشتغاله بغير الأهمّ ، ولا من تكليفه بالإتيان به ، ولا قاضي إذن بالالتزام بتقييد الإطلاق بالنسبة إليه.
فإن قلت : إنّ جميع ما ذكرت إنّما يتمّ فيما لو كان الصارف عن الإتيان بالأهمّ أمرا خارجيّا سوى الاشتغال بغير الأهمّ ، إذ لا مانع حينئذ من تعلّق التكليف به كذلك ، وصحّة الإتيان به على حسب ما ذكر. لكن إذا كان الصارف عنه هو الاشتغال بغير الأهمّ بحيث لو لا إتيانه به لكان آتيا بالأهمّ فيشكل الحال فيه ، إذ المفروض توقّف صحّة غير الأهمّ على خلوّ الزمان عن الاشتغال بالأهمّ ، وتوقّف خلوّه عنه على الاشتغال بغير الأهمّ ، فإنّ تركه إنّما يتفرّع على الاشتغال به.