ثانيها (١) : أنّه ذكر بعض المتأخّرين : أنّ الأمر بالشيء على وجه الوجوب لا يقتضي عدم الأمر بضدّه على وجه الاستحباب ، إذ لا تناقض في إيجاب عبادة في وقت مخصوص واستحباب اخرى فيه بعينه ، ولا شكّ في صحّة التصريح به من دون تناقض.
وأنت خبير بأنّه إن قيل بجواز ورود الخطابين المفروضين في مرتبة واحدة ـ إذ ليس في تكليف الندبيّ إلزام على المكلّف ليلزم بسببه التكليف بأحدهما ـ فهو بيّن الفساد ، لوضوح امتناع التكليف بالضدّين معا على سبيل الاستحباب ، سواء عدّ الندب تكليفا في الحقيقة أو لا ، فكيف مع كون التكليف بأحدهما وجوبيّا والآخر ندبيّا؟
وإن قيل بجواز ورودهما مرتّبين ـ كما ذكره الفاضل المذكور في بيان ما ذكره ـ فهو حقّ كما قدّمناه ، لكن لا وجه لتخصيصه الحكم بالندب على ما يستفاد من كلامه لجريانه بالنسبة إلى التكليف الوجوبي أيضا حسب ما قرّرناه.
ثالثها : أنّ الأمر بالشيء على وجه الندب يقتضي النهي عن تركه تنزيها قطعا ، حسب ما مرّ في بيان دلالة الأمر الإيجابي على النهي عن الضدّ العامّ ، لكن لا يسمّى ذلك كراهة ، إذ هو عين استحباب الفعل ، فإنّ رجحان الفعل على الترك عين مرجوحيّة الترك بالنسبة إليه حسب ما مرّت الإشارة إليه. وهل يقتضي ذلك مرجوحيّة أضداده الخاصّة؟ الحقّ ذلك ، لعين ما عرفت في بيان دلالة الأمر الإيجابي على النهي عن أضداده الخاصّة ، لكن لا يقتضي ذلك كراهتها بحسب الاصطلاح ، لما عرفت من أنّ المرجوحيّة المذكورة من حيث كون ذلك الترك من مقدّمات المستحبّ المفروض لكون ترك أحد الضدّين مقدّمة لفعل الآخر ، فلا يقتضي ذلك إلّا مرجوحيّة ذلك الفعل على تركه من حيث كون تركه مؤدّيا إلى ذلك المندوب ، ولا ينافي ذلك استحبابه في نفسه ورجحان فعله على تركه
__________________
(١) أي ثاني الامور تقدّم أوّلها في ص ٢٧٥.