بملاحظة ذاته ، بل ورجحانه على المستحبّ المفروض أيضا ، ولا تدافع ، لما عرفت من انتفاء المضادّة في ذلك ، وجواز اجتماع الجهات المتقابلة في الشيء وإن كان الحكم تابعا لما هو الأقوى ؛ فلا يفيد الجهة المفروضة إذن إلّا مرجوحيّة غيريّة لفعل الضدّ من تلك الجهة الخاصّة وأين ذلك من الكراهة المصطلحة.
رابعها : أنّ النهي عن الشيء تحريما هل يقتضي الأمر بضدّه إيجابا ، أو لا؟
قيل النزاع فيه بعينه النزاع في الأمر في ادّعاء العينيّة والاستلزام.
قلت : إنّ مفاد النهي هو طلب ترك الشيء على سبيل الحتم ، فكون الضدّ العامّ لإيجاد الشيء ـ أعني تركه ـ مطلوبا هو عين مفاد النهي عن الشيء ، فلا مجال هنا لتوهّم النزاع فيه حسب ما توهّم في مسألة الأمر على ما مرّ. ولا نزاع في كونه على سبيل التضمّن أو الالتزام حسب ما وقع الخلاف فيه هناك ، كيف وليس حقيقة النهي على حسب حدّه المشهور إلّا طلب الترك ، فليس ذلك إذن حكما آخر على ما مرّ تحقيقه ، وفي ذلك إيضاح لما قرّرناه هناك.
وأمّا بالنسبة إلى الضدّ الخاصّ فالقول بدلالة النهي على إيجابه هو بعينه مذهب الكعبي ، حيث زعم أنّ ترك الحرام لا يتمّ إلّا بفعل من الأفعال ، فيكون النهي عن الشيء قاضيا بإيجاب واحد منها ، فيكون الجميع واجبا على سبيل التخيير ، ولذا ذهب إلى نفي المباح. وقد عرفت وهن ما ذكره. وأنّ ترك الشيء لا يتوقّف على فعل ضدّ من أضداده ، بل يكفي في حصوله عدم إرادة الفعل. والفرق بينه وبين إيجاد الشيء واضح ، فإنّه يتوقّف على ترك ضدّه حسب ما مرّ. وكون فعل الضدّ متوقّفا على ترك ضدّه لا يقضي بكون فعل الضدّ مقدّمة لترك ضدّه أيضا ، بل يقضي ذلك بخلافه ، وإلّا لزم الدور.
نعم ، غاية الأمر أن يكون فعل الضدّ من أحد أسباب ترك الضدّ ، وهو لا يقضي بثبوت التوقّف عليه ، لما عرفت من أنّ سببيّته شأنيّة ، وهو مسبوق أبدا بسبب آخر مقدّم عليه ، فلا يتّصف بالوجوب من تلك الجهة.
وأنت بملاحظة ما ذكرناه تعرف الفرق بين هذه المسألة ومسألة اقتضاء الأمر