فذلك أيضا أمر آخر يرجع إلى دلالة العرف في خصوص المقام ، ولا ربط له بما لوحظ في هذا العنوان.
خامسها : أنّ النهي عن الشيء تنزيها هل يدلّ على الأمر بضدّه استحبابا ، أو لا؟ وقد ظهر الحال ممّا مرّ فيه.
أمّا بالنسبة إلى الضدّ العامّ فقد عرفت أنّ الأمر بضدّه عين مفاد الكراهة ، إذ مفاد النهي المفروض طلب تركه على وجه الرجحان الغير المانع من النقيض ، فليس ذلك حكما آخر ثابتا للضدّ ، بل هو عين مفاد النهي عنه كذلك حسب ما مرّ نظيره.
وأمّا بالنسبة إلى الضدّ الخاصّ فقد عرفت أنّه لا دلالة فيه عليه ؛ إلّا اذا فرض توقّف الترك على واحد منها في خصوص بعض المقامات ، أو كان الإتيان بالضدّ رافعا له ، كما في بعض الفروض حسب ما مرّ بيانه ، فيفيد ذلك إذن رجحان ذلك الفعل رجحانا من تلك الجهة غير مانع من النقيض ، فلا ينافي ذلك وجوبه من جهة اخرى ، أو كراهته كذلك ، إذ ليس ذلك حينئذ إلّا جهة مرجّحة ثابتة له كذلك. وقد عرفت أنّ ثبوت الجهات المتخالفة في الفعل ممّا لا مانع منه ، والحكم الشرعيّ يتبع الجهة الأقوى ، ومع التساوي والتخالف في المقتضى يتخيّر بينهما ، ولو اتّحد الضدّ ـ كالحركة والسكون ـ كان الحال فيه هنا على نحو ما مرّ في النهي التحريمي.
سادسها : لو حكم الشارع بإباحة فعل أفاد ذلك إباحة ضدّه العامّ قطعا ، بل هو عين مفاد إباحته ، إذ حقيقة الإباحة تساوي طرفي الفعل والترك ، وأمّا أضداده الخاصّة فلا دلالة فيه على إباحتها أصلا.
نعم ، هي من حيث تحقّق ترك المباح بها ـ كما في بعض الفروض ـ لا رجحان فيها ولا مرجوحيّة ، وهو لا يفيد شيئا ، لوضوح أنّ الواجب أو المندوب أو الحرام لا يجب أن يكون كذلك من جميع الوجوه. نعم ، لو اتّحد ضدّ المباح أفاده إباحته لعين ما مرّ.
* * *