قوله : (الحقّ أنّ تعليق الأمر ... الخ).
البحث عن المفاهيم أحد مقاصد علم الأصول ، كالبحث عن الأوامر والنواهي ، والعامّ والخاصّ ، ونحوها ، وقد أدرجه بعض الأصوليّين في مباحث الأمر من جهة تعليق الأمر على الشرط ، أو الصفة ، أو تقييده بالغاية ونحوها ، والأنسب في البيان هو الوجه الأوّل ، إلّا أنّ المصنّف رحمهالله اختار الثاني ، حيث اقتصر على عدّة من مباحثها فلم يستحسن جعلها مقصدا منفردا.
والمناسب أوّلا قبل الشروع في المقصود تفسير المنطوق والمفهوم وذكر أقسامهما وما يندرج فيهما ، وحيث كانا من أقسام الدلالة أو المدلول كان الحريّ في المقام أوّلا بيان الدلالة وذكر أقسامها. ولنورد ذلك في مباحث :
الأوّل في تعريف الدلالة ، وقد عرفت بأنّها كون الشيء بحيث يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. والمراد بالعلم هنا مطلق الإدراك الشامل للتصوّر والتصديق ليندرج فيها الدلالات اللفظيّة مفرداتها ومركّباتها ، إذ ليس من شأنها من حيث كونها دلالات لفظيّة إلّا إفادة تصوّر مداليلها وإحضارها ببال السامع. هذا بالنسبة إلى دلالة اللفظ على نفس المعنى.
أمّا بالنسبة إلى دلالتها على إرادة اللافظ فمدلولها أمر تصديقي ، لانتقاله من اللفظ إلى التصديق بإرادة اللافظ ذلك تصديقا علميّا أو ظنّيا ، ولا فرق في ذلك أيضا بين المفردات والمركّبات ، لكون الدلالة إذا في المقامين تصديقيّة ، والدلالة بهذا المعنى تعمّ الدلالات اللفظيّة والوضعيّة وغيرها وغير اللفظيّة ، كالأقيسة الدالّة على نتائجها ، وعرفت خصوص الدلالة اللفظيّة الوضعيّة الّتي هي المقصود في المقام بأنّها فهم المعنى من اللفظ عند إطلاقه ، أو تخييله بالنسبة إلى من هو عالم بالوضع.
وأورد عليه بوجهين :
أحدهما : أنّ الفهم أمر حاصل من الدلالة فلا أخذه مصدرا بمعنى الفاعل فهو صفة للسامع ، أو بمعنى المفعول فهو صفة للمعنى ، فلا يصحّ أخذه جنسا للدلالة.