وأنت خبير بأنّ الإيراد الثاني تفصيل للأوّل ، فإنّ الفهم أمر حاصل من الدلالة ، فهو بمعناه الفاعلي صفة للسامع ، وبمعناه المفعولي صفة للمعنى. وجوابه ظاهر ، وهو : أنّ الفهم بأيّ من الوجهين من لوازم الدلالة ، ولا مانع من تعريف الشيء بلازمه ، فيصحّ على كلّ من الوجهين.
ويرد عليه : أنّ التعريف باللازم إنّما يكون بأخذ اللازم على وجه يمكن حمله على الملزوم ، كتعريف الإنسان بالضاحك لا على وجه يباينه ، كتعريفه بالضحك ، فينبغي في المقام تعريفها بكون اللفظ بحيث يفهم منه المعنى العالم بالوضع ، والظاهر أنّ ذلك هو المقصود بالحدّ ، فيكون التحديد مبنيّا على التسامح.
وأجاب عنه بعض المحقّقين : بأنّ الفهم وحده صفة للسامع ، والانفهام وحده صفة للمعنى ، لكنّ فهم السامع من اللفظ المعنى ، أو انفهامه منه صفة للّفظ فيصحّ تعريف الدلالة به ، سواء اخذ الفهم بمعنى الفاعل أو المفعول ، وإنّما لا يصحّ الاشتقاق منه ، كما يصحّ اشتقاق الدلالة لكون المبدأ في المشتقّ هو مطلق الفهم ، وقد عرفت أنّه بأحد المعنيين صفة للسامع ، وبالآخر صفة للمعنى.
وأورد عليه : بأنّ فهم السامع صفة له قائمة به ، لكنّها متعلّقة بالمعنى بلا واسطة ، وباللفظ بواسطة حرف الجر ، فهناك ثلاثة أشياء : الفهم ، وتعلّقه بالمعنى ، وتعلّقه باللفظ ، والأوّل صفة للسامع والأخيران صفة للفهم. فإن أراد أنّ الفهم المقيّد بالمفعولين الموصوف بالتعلّقين صفة اللفظ فهو ظاهر البطلان ، وإن أراد أنّ المجموع المركّب من الامور الثلاثة صفة له فمع بعده من اللفظ واضح الفساد أيضا ، وإن أراد أنّ أحد التعلّقين صفة للّفظ فهو باطل أيضا.
نعم ، يفهم من تعلّق الفهم بالمعنى صفة للمعنى هي كونه مفهوما ، ومن تعلّقه باللّفظ صفة له هي كونه مفهوما منه المعنى.
قلت : مقصود المجيب : أنّ الوصف الملحوظ في المقام ليس وصفا للموصوف ابتداء، بل وصف متعلّق بحال الموصوف ، فإن اخذ الفهم بمعنى الفاعل كان فهم السامع من اللفظ معناه صفة للّفظ فإنّه يثبت له فهم السامع منه المعنى. وإن اخذ