وكيف كان فالحدّان المذكوران بظاهرهما لا ينطبقان على المحدودين على حسب ما عرفت ، وقد يجعل الموصول عبارة عن الحكم ، ويجعل المجرور حالا عنه باعتبار ما تعلّق ذلك الحكم به ، أعني موضوعه ، فالمراد أنّه حكم دلّ عليه اللفظ حال كون ما تعلّق به في محلّ النطق ، يعني يكون مذكورا ، والمفهوم حكم دلّ عليه اللفظ حال كون متعلّقه غير مذكور. وقد يفسّر الموصول بالموضوع ويكون الضمير راجعا إليه باعتبار الحكم المتعلّق به ، ويكون المجرور حينئذ حالا عن الموصول. فمناط الفرق بين المنطوق والمفهوم على هذين الوجهين هو اعتبار ذكر الموضوع في المنطوق ، واعتبار عدمه في المفهوم من دون ملاحظة حال الحكم المدلول عليه ، وهذا هو الّذي نصّ عليه جماعة في الفرق بينهما ، فلا يناط الفرق بينهما بذكر الحكم وعدمه ، كما هو قضيّة الوجوه المتقدّمة على اختلاف ما بينها حسب ما عرفت.
واورد عليه : بأنّ بعض ما عدّ من المنطوق كدلالة الآيتين على أقلّ الحمل ليس الموضوع فيه مذكورا ، وبعض ما عدّ من المفهوم كدلالة حرمة تأفيف الوالدين على حرمة ضربهما قد ذكر فيه الموضوع.
واجيب عنه : بأنّ الموضوع في الأوّل ليس أقلّ الحمل ، بل الحمل بنفسه وهو مذكور في إحدى الآيتين ، والموضوع في الثاني هو الضرب دون الوالدين وهو غير مذكور.
قلت : ويرد على ذلك مفهوما الشرط والغاية لاتّحاد الموضوع في المنطوق والمفهوم فيهما ، وكذا مفهوم الموافقة في مثل قولك : «إن ضربك أبوك فلا تؤذه» لدلالته على المنع من أذيّته مع انتفاء الضرب ، والموضوع متّحد في المقامين.
وقد يتكلّف لدفعه : بأنّ الشرط والغاية قيدان في الموضوع ، فالموضوع في «إن جاءك زيد فأكرمه» و «صم إلى الليل» هو زيد المقيّد بالمجيء ، والصوم المقيّد بكونه إلى الليل لتعلّق الحكم بذلك ، وكذا المنهيّ عن إيذائه هو الأب الضارب ، فالموضوع الخالي عن ذلك القيد موضوع آخر وهو غير مذكور وقد تعلّق به