قوله : (ذهب الشيخ رحمهالله وجماعة ... الخ).
اختلفوا في دلالة الأمر على الفور أو التراخي على أقوال. وهذا الخلاف بين من نفى دلالته على التكرار ، وأمّا كلّ من قال بدلالته على التكرار فهو قائل بكونه للفور حسب ما نصّ عليه جماعة وكان ذلك لاستلزام التكرار للفور بزعمه ، حيث إنّ أوّل أزمنة الإمكان ممّا يجب الإتيان بالفعل عنده بمقتضى الدوام وإلّا فالملازمة الاتّفاقيّة بين القولين لا يخفى عن بعد؛ مضافا إلى أنّه لو كان الفور مدلولا آخر للصيغة عندهم غير الدوام على حسب ما تخيّله القائل بالمرّة لزم اعتبار الدوام حينئذ بالنسبة إلى مصداق الفور لا إلى آخر أزمنة الإمكان ولا يقول به القائل بكونه للدوام ، فاللازم حينئذ عدم كون الفوريّة مدلولا آخر للصيغة ، بل ليس مفاد الصيغة عنده إلّا طلب طبيعة الفعل على وجه الدوام ، ويتبعه لزوم الفور حسب ما قرّرناه. وفيه تأمّل سيظهر الوجه فيه.
وقد يقال : إنّه كما يقول القائل المذكور بوجوب الفور كذا يقول بالتراخي أيضا ، بل بوجوبه فإنّه كما يحكم بوجوب الفعل في أوّل الأزمنة كذا يقول بوجوبه في آخرها ، فيتساوى نسبته إلى القولين ويكون قائلا بوجوب الفور والتراخي معا ، وذلك غير ما هو الظاهر من القول بالفور والتراخي ، فإنّه يراد به حصول تمام المطلوب بأدائه على الفور أو التراخي.
ثمّ إنّ الخلاف في المقام إمّا في وضع الصيغة ودلالتها على الفور أو التراخي من جهة الوضع أو في مطلق استفادة الفور أو التراخي منها ولو من جهة انصراف الإطلاق ودلالة الظاهر من غير تعلّق الوضع بخصوص شيء منهما أو في الأعمّ من ذلك ومن انصراف الأوامر المطلقة إليه ولو من جهة قيام القرائن العامّة عليه حسب ما يشير إليه المصنّف في القائدة الآتية.
وهذا الوجه إنّما يتمّ بالنسبة إلى الأوامر الواردة في الشريعة دون مطلق الأمر ، فإنّ القرائن العامّة إنّما يقال بنصب الشارع إيّاها في الشريعة ولا يجري القول به في مطلق الأوامر ، وقد يقال بجريانه فيها مطلقا لما يأتي الإشارة إن شاء الله.