والّذي يقتضيه التحقيق والنظر الدقيق : أنّ معنى الغاية والآخر والنهاية بحسب أصلها وحقيقتها إنّما يقع فيما بين الجزءين المذكورين الداخلي والخارجي ، فليس شيء منهما بحقيقته غاية الشيء المستمرّ وآخره ومنتهاه. وكذا الحال في المبدأ فإنّه يقابل المنتهى ، فحقيقتهما حينئذ أمران موهومان اعتباريّان منتزعان من طرفي الشيء الممتدّ ، كالسطح المتوهّم بين الجسمين ، فيدخل ما بعد الأداة فيما بعد الغاية بالمعنى المذكور على القول بخروجه عن المغيّا ، وفيما قبلها على القول بدخوله. وحيث إنّ الأمر الاعتباري المذكور بعيد عن فهم العرف ولا يترتّب عليه بنفسه كثير فائدة فلا جرم كان المنساق من لفظ «الغاية» ومن أداتها أحد الجزءين المتّصلين به ، وعليه جرت الاستعمالات الشائعة ، لكونه أقرب المجازات إلى الحقيقة، ويتساوى نسبتهما إليه من حيث نفسه ، إلّا أنّه قد يغلب الاستعمال في أحدهما فيحمل المطلق عليه ، ومنه نشأ الخلاف في الدخول والخروج ، فليس الاستعمال في شيء منهما بحسب الأصل واقعا على حقيقته ، كيف؟ وهما مركّبان من أجزاء غالبا ، ومن البيّن خروج ما سوى الجزء الأخير من الأوّل ، والأوّل من الثاني عن معناها فكذا الجزءان ، فإطلاقه عليهما لاتّصالهما به وقربهما إليه ، أو باعتبار تركّبهما من الآخر وما قبله أو ما بعده ، للقطع بأنّ ما قبل الآخر ليس من الآخر ، وكذا ما بعده ، فإطلاقه على أحدهما بالإضافة إلى ما تقدّمه أو تأخّر عنه فهو آخر إضافي لا حقيقي ، ولذا لا يطلق على الجزء البعيد عنه كالنصف الأخير في النهاية والأوّل في البداية إلّا بطريق الإضافة ، وكلّما قرب إلى الطرفين كان أقرب وألصق بحقيقة المبدأ والمنتهى والأوّل والآخر.
نعم ، قد يقال بصيرورة اللفظ حقيقة في أحدهما لكثرة الاستعمال فيه وشيوعه ، كما هو الظاهر من لفظي «الأوّل» و «الآخر» فيمكن الجمع بين هذا الوجه وكلّ واحد من الأقوال والوجوه الآتية ، فقد يقال بصيرورته حقيقة في الجزء الخارج ـ مثلا ـ نظرا إلى كثرة الاستعمال فيه خاصّة ، فلا يحمل على الداخل إلّا بقرينة ، أو فيهما مع تقابلهما ، إلّا أنّه ينصرف إلى الخارج ، لكون الاستعمال فيه