العمل على المشهور ، وذلك أنّ المطلوب من الخطابين المفروضين إن كان فعلا واحدا كان الثاني ناسخا للأوّل ، إذ حمل الأوّل على بيان جزء المطلوب خلاف الظاهر ، فيدلّ على أنّه تمام المطلوب ، فيكون الثاني منافيا له وإن كانا فعلين مستقلّين بالمطلوبيّة خرج عن محلّ المسألة ، فإنّ أحدا لا يمنع من تعلّق تكليف آخر فيما بعد الغاية بمثل الأوّل ، وكذا فيما قبل البداية ، وقولهم بالدلالة على مخالفة ما بعد الغاية لما قبلها في الحكم إنّما يراد به بحسب الخطاب الأوّل. ومن البيّن أنّ انتفاء الحكم الأوّل لا يمنع من ثبوت حكم آخر فالحيثيّة معتبرة في ذلك.
وفيه : أنّ الخصم أيضا لا يزعم شمول الحكم لما بعد الغاية بحسب الخطاب الأوّل ، كيف! وهو ضروريّ الفساد ، فإن تعلّق بالمركّب كما في الصوم دلّ على كون المقيّد بالغاية تمام المطلوب كما ذكر ، وليس من محلّ الكلام كما مرّت الإشارة إليه في بيان محلّ المسألة ، لرجوعه إذا إلى المعارضة بين ظاهر الخطابين ؛ لا من جهة مفهوم الغاية ، بل لظهور كلّ منهما في استقلال متعلّقه بالمطلوبيّة ، وإنّما يظهر فائدة الخلاف في الامور الّتي لا يكون للهيئة التركيبيّة فيها مدخليّة ، كما في قوله سبحانه : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ)(١) فالقائل بالمفهوم يقول بحصول المعارضة بين مفهوم الغاية فيه ومفهوم الشرط فيما بعده ، إلّا أنّ الأوّل عنده أقوى في الدلالة من الثاني ، ولذا يقدّم عليه ، والنافي يدّعي سلامة الثاني عن معارضة الأوّل ، وكذا الحال في قوله سبحانه : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)(٢) فيعارضه بظاهره ما دلّ على توقّف الحلّية على الدخول إلّا مع حمل النكاح فيه على الوطء ، إلى غير ذلك من الأمثلة. وما يوجد في كلامهم من التمثيل بقوله : «صم إلى الليل» فإنّما الغرض منه جهة التقييد بالغاية فيه مع قطع النظر عن اعتبار الهيئة التركيبيّة في مورده ، وإلّا فالدلالة على الانتفاء في مثله حاصلة على القولين ، نظرا إلى دلالة الأمر على الوجوب النفسي ومتعلّقه على المطلوبيّة بالاستقلال كما عرفت.
__________________
(١) البقرة : ٢٢٢.
(٢) البقرة : ٢٣٠.