ألا ترى أنّ قولك : «جلس زيد إلى الظهر» لا يدلّ على رجوعه بعد الظهر إلى الحال الّتي كان عليها قبل الجلوس ، إنّما يدلّ على انتفاء الجلوس فيما بعد الظهر ، سواء رجع إلى الحالة السابقة أم لا.
نعم ، يتمّ ذلك في الوصفين المتضادّين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون ، فإذا قال : «سكن زيد من الصبح إلى الظهر» دلّ على تحرّكه من قبل ومن بعد وإن اختلف نوع الحركة الحاصلة منه في الحالين. وكذا الحال في المتناقضين فلو قيّد النفي بمثل ذلك دلّ على الإثبات في الحالين ، وإن اختلف نوعه كما لو قيّد الإثبات دلّ على النفي في الحالين ، وأمّا سائر الأوصاف والحالات فلا وجه لرجوع الحال فيما بعد الغاية إلى الحالة السابقة. وتوهّم الاستصحاب في مثل ذلك وهم فاحش ، لانقطاع السابق بالأمر المغيّا فلا يعود إلّا بسبب جديد وإن زال الأمر المتوسّط بين الحالين ، كما لا يخفى.
ولنختم الكلام في باب المفاهيم بذكر ما أهمله المصنّف رحمهالله فيها ممّا تداول ذكره في كتب القوم مع الإشارة إلى غيره ، وكان اقتصاره على المفاهيم الثلاثة وترك التعرّض للباقي ، لظهور الحكم في بعضها بالنفي أو الإثبات ورجوع بعضها إلى المنطوق.
[مفهوم الاستثناء]
فمنها : مفهوم الاستثناء بكلّ ما دلّ عليه من الأسماء أو الحروف ، فإنّه إن ورد على أحد النقيضين دلّ على النقيض الآخر في المستثنى ، وإن ورد على أحد المتضادّين المنحصرين كالحركة والسكون دلّ على ثبوت الضدّ الآخر ، وإن ورد على سائر الأضداد الوجوديّة دلّ على انتفاء الأمر المفروض عنه من غير تعيين للضدّ الثابت له. فالاستثناء من النفي يدلّ على حصر الاثبات في المستثنى ، كما في كلمة التوحيد ، ومن الإثبات يدلّ على نفيه عنه ، فمفاده إخراج المستثنى عمّا قبله ومخالفته له في مدلوله كائنا ما كان. وقد أطبق على إثبات الدلالة المذكورة