وفيه : أنّ الشيء قد يجب وقوعه أو لا وقوعه بإرادة المكلّف واختياره ، وقد يجب بغير ذلك. وشرط التكليف تعلّقه بالقسم الأوّل قبل الوجوب ، وشبهة الجبر باطلة.
ولتحقيق الجواب عن ذلك محلّ آخر ، ويترتّب على الشرط المذكور عدم جواز التخيير بين الفعل والترك إلّا مع توجيهه بما يرجع إلى غيره ، لرجوعه إلى وجوب أحد النقيضين ، ومن البيّن امتناع ارتفاعهما فلا يعقل فيه وقوع المخالفة. وفي ذلك إبطال لحكمة التكليف ونقض للغرض المقصود فيه : من ابتلاء المكلّف واختباره ، وإرشاده إلى مصالحه ، أو إيصال النفع إليه. بل ليس ذلك من حقيقة التكليف في شيء ، فهو لغو يمتنع على الحكيم ، ومنه التكليف بما اضطرّ المكلّف في العادة إلى اختياره أو استكره عليه.
وحديث رفعهما عن هذه الامّة لا تدلّ على ثبوتهما على الامم السالفة ، ولو دلّ على ذلك لزم حمله على نفي الآثار الوضعيّة ، أو تأويله بما يرجع إلى نفي الحرج والمشقّة. ومثله التكليف المتعلّق بما لا يرتبط بعمل المكلّف في العرف والعادة وإن أمكن وقوعه بحسب العقل. ولذا لو دار الحرام بين ما يتعلّق بعمل المكلّف وغيره لم يجر فيه حكم المشتبه بالمحصور، كما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
ومنها : أن لا يكون في فعله حرج أو مشقّة على أكثر المكلّفين ، أو على المكلّف بذلك التكليف وإن لم يكن متعسّرا على غيره. وهذا الشرط يستفاد من كلام بعضهم حيث تمسّكوا في إثباته بالدليل العقلي فلا يقبل التخصيص.
وغاية ما يستدلّ به على ذلك دعوى منافاته لما تقرّر في محلّه من قاعدة اللطف ، فإنّهم فسّروه بما يقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية وأطلقوا القول بوجوبه في الحكمة. ولا شكّ أنّ الحرج والمشقّة ممّا يقرّب المكلّف إلى المخالفة ويبعّد عن الطاعة ، فيكون منافيا لتلك القاعدة. إنّما الكلام في وجوب مطلق اللطف بالمعنى المذكور ، إذ يتصوّر ما لا يحصى من الامور المقرّبة إلى الطاعة إلى