ولذا لا يصحّ إطلاق الأمر حينئذ بتجويز ترك اللازم ، نظرا إلى عدم جواز تركه من جهة عدم جواز ترك ملزومه وإن صحّ الحكم بجواز تركه في نفسه ، فوجوب الفعل على الوجه المذكور ليس من أقسام الوجوب على الحقيقة ، ولا يندرج الفعل من جهته في الواجب إلّا على سبيل التوسّع.
فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر في الفرق بين الواجب الغيري والواجب على النحو المذكور ، فإنّ هذا واجب بالغير وذاك واجب للغير ، ولذا كان اتّصاف الأوّل بالوجوب مجازا دون الثاني.
وقد ظهر بما ذكرناه أنّ عدّ الوجوب على الوجه المذكور من أقسام الوجوب وجعل الواجب على ذلك الوجه واجبا على الحقيقة ـ كما يستفاد من كلام بعض الأفاضل ـ بعيد عن التحقيق.
رابعها : أنّ المقدّمة كما عرفت قد تكون مقدّمة للوجوب وقد تكون مقدّمة للوجود ؛ والنسبة بينهما من قبيل العموم من وجه ؛ فقد يجتمع الأمران كما في اشتراط العقل بالنسبة إلى العبادات ؛ وقد ينفرد الأوّل كما في البلوغ بالنسبة إلى الصلاة ونحوها بناء على شرعيّة عبادات الصبيّ المميّز ؛ وقد ينفرد الثاني كما في قطع المسافة بالنظر إلى الحجّ.
وقد تكون مقدّمة للصحّة كما في الطهارة بالنسبة إلى الصلاة ومرجع ذلك إلى مقدّمة الوجود ، لتوقّف وجود الصلاة الصحيحة عليه وعلى القول بخروج الفرد الفاسد عن أصل الحقيقة فالأمر أوضح.
وقد تكون مقدّمة للعلم كغسل جزء من الرأس ، لحصول العلم بغسل الوجه ، وتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، ومرجع ذلك إلى مقدّمة الوجود بالنسبة إلى العلم ، فإنّ تحصيل العلم بأداء الواجب واجب آخر ووجود ذلك الواجب يتوقّف على ذلك وهو ظاهر.
وأيضا ينقسم المقدّمة إلى عقليّة كتوقّف العلوم النظريّة على المقدّمتين ، وعاديّة كتوقّف الصعود على السطح على السلّم ونحوه ، وشرعيّة كتوقّف الصلاة على الطهارة.