قوله : (اختلفوا في دلالة النهي.)
ينبغي قبل الشروع في المرام توضيح المقام برسم امور :
أحدها : أنّ الظاهر أنّ دلالة النهي على الفساد في العبادات أو مطلقا على القول بها ليس من جهة وضعه لذلك ، بل لاستلزام مدلوله ذلك أو لفهمه من المقام ـ حسب ما يأتي القول فيه إن شاء الله ـ كيف! وليس مدلول النهي إلّا مطلق الطلب أو خصوص التحريم وذلك معنى غير الفساد ، ولو قيل بكون الفساد جزء من معناه لزم التجوّز في كثير من النواهي الشرعيّة ممّا لا يتصوّر فيه الفساد ـ كالنهي عن الزنا وأكل الميتة وشرب الخمر ونحوها ـ بل معظم النواهي الجارية في العرف كذلك.
نعم ربما يتوهّم من كلام القائل بدلالة النهي على الفساد شرعا ـ حسب ما ذكر في أقوال المسألة وذهب إليه السيّد من علمائنا ـ أنّه موضوع للفساد في الشريعة.
وحينئذ إمّا أن يقال : بنقله في الشريعة من الطلب أو التحريم إلى الفساد إمّا مطلقا ، أو فيما إذا تعلّق بالامور القابلة للفساد. وهو واضح الفساد لا مجال لأن يتوهّمه أحد في المقام سيّما الأخير ، لمخالفته لما هو المعهود في الأوضاع ، والظاهر أنّه ممّا لا قائل به.
أو يقال : بضمّ معنى الفساد في الشريعة إلى الطلب أو التحريم ، فيكون منقولا من معناه الأوّلي ـ الّذي هو مجرّد طلب الترك أو التحريم ـ إلى الطلب أو التحريم مع الفساد ، فيكون مدلوله الأوّلي جزء من معناه الثانوي. وهو أيضا فاسد ، إذ لو ثبت النقل على الوجه الأوّل لزم التجوّز في كثير من النواهي الشرعيّة ـ كالنهي عن المحرّمات الغير القابلة للفساد ـ وهو ظاهر الفساد. وإن قيل به على الوجه الثاني. ففيه : ما عرفت من عدم معهوديّة مثله في الأوضاع اللفظيّة ، فلو ثبت الوضع له ثبت مطلقا ولزمه المفسدة المذكورة. والأظهر أن يقال: إنّ مقصودهم من دلالته شرعا على الفساد انفهام ذلك من ملاحظة المقام في الاستعمالات الشرعيّة ـ حسب ما نقرّره إن شاء الله ـ والحقّ فيه ما سنفصّله إن شاء الله وإن كان كلام القائل المذكور مطلقا.