سبيل التجارة من الأكل المنهيّ إنّما يفيد عدم تعلّق النهي بالأكل المفروض ، وعدم تحريمه القاضي بحصول الانتقال وهو لا يقضي بجواز التجارة الواقعة وإباحتها ، إلّا أن يقال : إنّ جواز التصرّف في المال الحاصل بواسطتها يفيد بحسب العرف إباحتها أيضا ، وهو لا يجامع القول بعدم دلالة النهي على الفساد ، لوضوح بطلان القول بحرمة المعاملة وترتّب الأثر عليه وجواز التصرّف في المال ، فيكون البناء على ذلك أيضا مبنيّا على دلالة النهي على الفساد كما هو المدّعى. وينبغي تتميم الكلام في المرام بذكر امور :
أحدها : أنّ ما عنونوه من البحث إنّما هو في غير النهي الّذي يراد به الكراهة وأمّا النهي المستعمل في الكراهة فظاهر أنّه لا يفيد الفساد في المعاملات ، لما هو واضح من عدم المنافاة بين الكراهة والصحّة ، وبعد استعماله في الكراهة لا دلالة فيها على الفساد من جهة المقام أيضا ، بل ربما يشير إلى الصحّة لإفادة الجواز الظاهر في الصحّة. وأمّا بالنسبة إلى العبادات فقد يقال بإفادته الفساد ، لما تقرّر من اعتبار الرجحان في العبادة فالمرجوحيّة المدلول للنهي المفروضة يناقض الرجحان المعتبر في مفهومها فيجيء الفساد من تلك الجهة ، لكن الّذي يقتضيه النظر في المقام أنّ النهي المفروض إمّا أن يكون متعلّقا بالعبادة أو بجزئها أو بشرطها أو بغيره من الامور الخارجة عنها المتّحد بها أو غيرها ، وعلى كلّ حال فإمّا أن يكون متعلّقا بها لأجل العبادة أو لا ثمّ المتعلّق بالعبادة إمّا أن يكون متعلّقا بها لذاتها أو لوصفها فإن تعلّق النهي بذات العبادة لذاتها اتّجه القول بفسادها وخروجها عن مفهوم العبادة وإن تعلّق بها لوصفها.
والثاني : أنّك قد عرفت أنّ دلالة النهي في العبادة على الفساد إنّما هو من جهة قضاء النهي بارتفاع الأمر لاستحالة كون شيء واحد مأمورا به ومنهيّا عنه فإذا انتفى عنه الأمر قضى بفساده ، إذ الصحّة فيه موافقة الأمر حسب ما مرّ فإذا كان الحال على وجه يجوز حصول التكليف بالمحال كما إذا كان ذلك بسوء اختيار المكلّف بناءا على جواز التكليف بالمحال حينئذ كما إذا توسّط المكان المغصوب ،