ثانيها : أنّه يجري ما ذكرناه في النكرة الواقعة في سياق النفي من الدلالة على العموم ـ بالنسبة إلى الواقعة في سياق النهي ، نحو «لا تضرب أحدا» و «لا تشتم رجلا» وهي أيضا مختلفة في وضوح الدلالة ، فإن كانت النكرة ممّا لا يقع إلّا بعد النفي وما بمعناه ، نحو «لا تضرب أحدا» و «لا تقتل ديّارا» كان أوضح في الدلالة. وكذا لو اشترك القليل والكثير في الإسم نحو «لا تعط زيدا شيئا» وأمّا نحو قولك : «لا تضرب رجلا» فهو دونه في الوضوح ، ويقوم فيه احتمال إرادة الوحدة العدديّة فيعقّبه بقوله : بل رجلين إلّا أنّه بعيد ، لكنّه يفيد العموم بالنسبة إلى معناه حسب ما مرّ. ويحتمل أيضا على بعد إرادة النكرة الإبهاميّة ، فلا دلالة فيه إذن على العموم أصلا ، وقد عرفت بعد إرادة ذلك من النكرة جدّا.
ثمّ إنّه يجري ما ذكرناه في النكرة المتعقّبة للنهي وغيره ، ويجري في النكرة الواحدة والمتعدّدة ، تقول : لا تعط من شتمك وشتم أباك درهما ، ولا تعط رجلا أهانك درهما.
ثالثها : أنّ النكرة الواقعة في سياق الاستفهام تفيد العموم أيضا على ما صرّح به بعضهم ، كما في قولك «هل أكرمت رجلا» فمفاده السؤال عن جميع آحاد الرجال أنّه وقع الإكرام عليه لكن على سبيل البدل فالمسؤول هو إكرام الواحد وإن وقع السؤال عن الكلّ ، ويتفرّع على ذلك أنّه لو وقع السؤال عن الماء القليل أنّه هل ينجّسه شيء؟ فقال : لا ، أفاد عدم تنجيس شيء من الأشياء له ، فإنّه لمّا وقع السؤال عن كلّ نجاسة يكون «لا» جوابا بالنسبة إلى كلّ منها ليطابق السؤال. ويمكن أن يجعل ذلك من قبيل النكرة المقدّرة في سياق النفي ، أي لا ينجّسه شيء فلا حاجة إلى ملاحظة ذلك ، نعم لو قال «لا ينجّسه ما سئلت عنه» انحصر في الوجه الأوّل ، فتأمّل.
رابعها : أنّهم اختلفوا في دلالة النكرة الواقعة في سياق الشرط على العموم ، فحكى الشهيد رحمهالله في التمهيد عن جماعة من الاصوليّين ذلك ، قال : وبه صرّح الجوهري في البرهان وتابعه الأنباري في شرحه واقتضاه كلام الآمدي ، والمختار عند آخرين عدم إفادته العموم.