[البحث الثالث](١)
في أصالة النفي
وهي أصالة عدم أمر وجودي حتّى يتبيّن الخلاف ، وهي أقسام إذ ذلك الأمر الوجودي إمّا أن يكون تكليفا بالفعل أو بالترك ، أو يكون شيئا آخر غير الأمرين المذكورين وإن استتبع أحدهما كسائر الأحكام الوضعيّة ، ويطلق على الاولى أصالة البراءة ، وعلى الثانية أصالة الإباحة ، وعلى الثالثة أصالة العدم ، وقد يعمّ الأخير للوجوه الثلاثة ، وقد يعمّ الاولى للثانية بكون الحظر تكليفا ولا مشاحّة في الاصطلاح.
ثمّ الأصل فيها هنا قد يؤخذ بمعنى الاستصحاب ، والظاهر بعد صحّة إطلاق الأصل عليه بالخصوص عدم إرادته في المقام ، لكونه دليلا برأسه مغايرا لأصالة البراءة والإباحة ، كما سيظهر الوجه فيه. وقد يؤخذ بمعنى الراجح كما نصّ عليه جماعة ، ويضعّفه بعد القطع بعدم كونه حقيقة فيه ـ كما يعرف من عدم اطّراده في الاستعمال ، بل والتأمّل في ثبوت استعماله فيه ، كما يظهر من ملاحظة الإطلاقات والمثال المذكور في كلامهم غير متعيّن الحمل عليه ـ أنّه ليس المناط في حجّية الأصل المذكور حصول الظنّ كما يوهمه كلام بعضهم لما هو معلوم من الاحتجاج به في محلّ الشكّ والوهم أيضا ، وبالجملة فيما لم يقم دليل شرعي على خلافه ، فتخصيصه بصورة الظنّ ممّا لا وجه له.
والقول بأنّ المقصود رجحان العدم في نفسه ، بمعنى أنّ الراجح في نظر العقل من الوجود والعدم هو العدم ، ومن الشغل والبراءة هي البراءة إلى غير ذلك ، فلا ينافيه حصول الظنّ بخلافه من الخارج مدفوع بأنّ الرجحان فيه حينئذ يكون شأنيّا لا فعليّا ، وهو مخالف لظاهر اللفظ ، مضافا إلى أنّه لو دار الأمر مدار الرجحان لم يثمر شأنيّة الظنّ ، مع عدم تحقّقه كما في كثير من موارد الاحتجاج به ، وإلّا فلا ثمرة للحمل على المعنى المفروض ثمّ تصحيحه بالتوجيه المذكور.
__________________
(١) لم يرد في بعض النسخ ، وفي سائر النسخ «البحث الثاني». والموافق للسياق ما أثبتناه ، راجع ص ٥٠٤ و ٥٣٩.