وتحقيق الكلام فيها : أنّ الفعل إمّا أن يكون بعض أجزائه منوطا بالباقي بحيث لو نقص شيء منها كان الفعل كعدمه ولم يحصل الامتثال بالقدر الباقي أيضا ، أو لا يكون كذلك ، بل يحصل الامتثال على قدر ما يأتي منه. غاية الأمر عدم حصول الامتثال بالباقي إذا فرض ثبوت التكليف بالزائد. فالكلام هنا في مقامين :
الأوّل فيما إذا لم يكن الصحّة منوطا بالاجتماع ، والظاهر جريان الأصل هنا في نفي الزائد ، سواء كان التكليف من أصله دائرا بين الوجهين أو الوجوه ، أو تعلّق بكلّي معلوم على سبيل الإجمال صادق على جميع مراتبه قد شكّ فيما اشتغلت الذمّة منه ـ كما إذا علم التكليف بأداء الدين ودار بين الأقلّ والأكثر مع صدق اسم الدين على القليل والكثير ـ أو تعلّق بمجمل ودار ذلك المجمل بين الزائد والناقص إمّا للشكّ في وضعه للأقلّ أو الأكثر ، أو لقيام الإجمال في تلك الواقعة ـ كما إذا تلف مالا لزيد فكلّف بأداء القيمة وهي دائرة بين الأقلّ والأكثر مع عدم الاشتراك بينهما في الاسم ـ والوجه في ذلك : أنّ القدر المتيقّن من التكليف في الوجوه المذكورة هو اشتغال الذمة بالأقل والزيادة غير معلومة فينفى بالأصل.
والحاصل : أنّه يدور الأمر في الزائد بين البراءة والشغل فيرجّح جانب البراءة على مقتضى الأصل المذكور.
فإن قلت : إنّه مع العلم بحصول التكليف ودورانه بين الوجهين يدور التكليف بين أمرين وجوديّين ولا اقتضاء للأصل في تعلّقه بشيء منهما.
ألا ترى : أنّه لو دار التكليف بين نوعين وكان أحدهما أقلّ جزء من الآخر لم يصحّ الحكم بالاشتغال به عملا بالأصل.
قلت : ليس المقصود في المقام اقتضاء الأصل تعلّق التكليف بالأقلّ ، لوضوح استواء نسبتهما إلى الأصل ، بل الغرض أنّ التكليف بالأكثر قاض باشتغال الذمّة بالأقلّ من غير عكس ، فالاشتغال بالأقلّ ثابت على الوجهين ، معلوم على التقديرين ، بخلاف الأكثر فينفي بالأصل ويحكم ببراءة الذمة عنه شرعا ، فيرجع الأمر إلى وجوب الأقلّ خاصّة في ظاهر الشرع. وبما قرّرنا يندفع ما قد يقال فيما